السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تستهينوا بهؤلاء ..إنهم يعولون أسراً


تقرير / حنان حسن
الخرطوم 24-12-2019(سونا)-إحدى الليالي الصيفية وفي طريق عودتي إلى المنزل استقل حافلة المواصلات العامة ركب طفل صغير نحيل يحمل كيسا تعثر وكاد أن يقع أمسكت به وتفاجأت أنه لوحده أجلسته بجواري وسألته مستنكرة ماذا يفعل في هذا الوقت المتأخر بالسوق؟ فرد على مبتسما (انا شغال ببيع ليمون،،أنا كبير عمري عشرة)، بدأ يقلب في الكيس الذي كاد أن يوقعه وأخرج منه مسدسا بلاستيكيا وسألني أيهما أحلى المسدس ام الساعة؟ كان يلبس ساعة بلاستيكية مضيئة فسألته لمن المسدس؟ فرد (لحمودي لأنه ولد فالح وما بيحوم بالعنابر) استغربت فسألته مجددا أين يسكن، فقال إنه يرافق والدته المريضة بالمستشفى بعد أن تم تحويلها من مستشفى القضارف منذ خمسة أشهر هو وحمودى ذو الأربع سنوات ، والدهم متوفى لا أهل أو أقارب يلجأون اليهم بالعاصمة سوى عنبر الباطنية بالمستشفى هو وحمودي ينامان على النجيلة ولكن البعوضة تزعجهم وهو يخرج في الصباح للعمل في السوق ولكن بعد أن يشتري لهم الشاي ويترك (قروش الفطور) مع خالة نفيسة الفراشة (عاملة) ووجبة الغداء تأتيهم من حجة ميمونة التي تعرفوا عليها إبان مرض أختها في ذات العنبر وهي تسكن الصحافة، استرسل قائلا (حجة ميمونة بتلم لي القروش بودي ليها باقي الليمون وهي بتبيعه في الحي بعد ما أمي تطلع من المستشفى ساستأجر لنا أوضة) سألته ألا تذهب إلى المدرسة؟ فرد على بصرامة "لا أنا شغال لكن حمودي لما يكبر ح ادخله المدرسة" .
حيرني الصغير رغم رقة صوته الا أنه مليء بالثقة والتصميم أسرني وأثر فيَّ كثيرا صمت طويلا أحسست بضآلة حجمي وأن الحافلة ضيقة لا تتسع لهذا الصغير العملاق وفجأة وقفت الحافلة وأنا في ذهولي لم انتبه أو اكمل حديثي معه انسل الصغير من جانبي، قائلا "دي محطة حجة ميمونة" نزل مسرعا يحمل كيسه الذي لا يقوى على حمله ملوحا لي بيده الصغيرة.
هذا الصغير لا يذهب إلى المدرسة ولا يفكر في أن يرتادها، فهمه أكبر بكثير من أن يتعلم ليس وحده فالصورة الحقيقية والماثلة أمامنا والمشاهدة يومياً أن هناك اطفالا في سن الدراسة يعملون ولا يذهبون إلى المدارس هم لا يتسكعون في الشوارع بل يعملون وبجد كأنهم يسابقون الوقت، فهم يجوبون الشوارع والاسواق وعندما يعجزون عن تصريف منتجاتهم سرعان ما يتحولون الى حمالين، وكثيرا ما نشعر بالإشفاق والحنق عندما نرى حملات المحليات الخاصة بتنظيم الأسواق وضبط الباعة المتجولين أو غيرها تلاحق هولاء الصغار بل تطاردهم تراهم يهربون ببضاعتهم عبر الشوارع وكأنهم ارتكبوا جريمة أو انتهكوا القانون رغم أنهم هم من انتهُكت حقوقهم! فعملهم يشكل انتهاكا مرئيا وتحديا اخلاقيا قبل ان يكون قانونيا.
وبرغم اختلاف الاسباب والمسببات التى دفعت بهم الى ترك مقاعد الدراسة والخروج الى الشوارع بحثا عن اى مهنة قد تكون محفوفة بالمخاطر فقد أجمع الخبراء على ان الازمة الاقتصادية وغلاء الاسعار والفقر والازمات السياسية والحروب والنزاعات الاهلية هي العوامل الرئيسية تجاه تفشى الامر الذى بات اكثر من مألوف بل افرز عدم تطبيق القانون وغياب العقوبات وضعا خطيرا نتج عنه ان عمل الاطفال واستخدامهم بل استغلالهم اصبح علنيا.
وتُظهر الارقام وفقاً لإحصاء 2008 إسقاط 2015م ان الاطفال يمثلون نصف تعداد السكان مما يشير الى ان مستقبل البلاد يعتمد عليهم وهنالك 48.5%من السكان دون سن ال18 عاما اى ما يقارب 15 مليون نسمة تقل اعمارهم عن 18عاما كما بلغ تعداد الأطفال العاملين في مختلف القطاعات الاقتصادية وخاصة في الزراعة والرعى والتعدين حوالي مليون طفل، و اظهر التقرير الذى اصدره المجلس القومى لرعاية الطفولة بالتعاون مع اليونسيف ان هنالك ما يقارب المليونى طفل خارج المدرسة من بين الاطفال الذين هم في سن الاساس (6-13) وباضافة الذين في المرحلة الثانوية (14-16) يصبح عددهم ثلاثة ملايين وثلاثمائة طفل خارج نظام التعليم.
وتتعدد المهن التى يعمل بها الاطفال فهم حرفيون في المناطق الصناعية وعمال، كماسرة في المواصلات العامة، باعة متجولون، غسيل العربات، وورنيش ماسحو احذية. ووفقا لنتائج مسح عمالة الاطفال بولاية الخرطوم والذي نفذه المجلس القومي لرعاية الطفولة ان حوالى 47.3 %منهم يعملون في قطاع الخدمات ويعمل 23.3%في قطاع الصناعة و17.6% في التجارة و1.5% في القطاع الزراعي كما تتفاوت اماكن عملهم فهناك 33.6% منهم يعملون في المناطق الصناعية 36.1% في الاسواق و12.8% في الشوارع ولا مكان محدد لهم للعمل و12.4% في المواصلات اي ان حوالى نصف الاطفال 48.9% يعملون في الاسواق والشوارع بحسب الدراسة.
ومما لا شك فيه فان هذه الارقام تزداد يوميا بقدوم الوافدين الى سوق العمل فهنالك مجموعة من الصغار يبدو انهم حديثو عهد بالعمل في اشارات المرور بل هي زيارتهم الاولى للعاصمة الخرطوم يبيعون المناديل الورقية. سألت احدهم يدعى برير عند اشارة (ابوحمامة ) قال انه حضر مع ابناء قريتهم من النيل الابيض للعمل وتركوا الدراسة هم حسب حديثه يتجاوز عددهم الخمسين يقيمون في احد الاحياء في وسط العاصمة مقابل إيجار يصل الى مئتى جنيه للفرد يعملون من ساعات الصباح الاولى وحتى مغيب الشمس يوزع عليهم قريبهم الذى استأجر لهم المنزل اكياس المناديل التى يبيعونها قال انهم يرسلون الى اسرهم اسبوعيا مبلغ يتراوح بين (500-700 ) جنيه، اسرة هذا الصغير ذي الاربعة عشر عاما تعتمد عليه فوالده متوفى لديه اربع اخوات وشقيقه الاكبر مريض (بكيس دهنى في الرأس) لم اتبين هل يقصد ورما ولكنه قال انه يصرع سألته الا يفكر هو ورفقاؤه بالعودة للمدرسة قال ممازحا (بعد ان ذقنا طعم الاحمر) يقصد النقود لا احد يفكر في العودة اليها، واضاف (منو البجيب للحجة حق البن).
مجموعة اخرى لاتخطئها العين بوجوههم المسودة وأيديهم المتسخة تراهم يحملون اكياسا اكبر من حجمهم بل كثيرا ما تشعر بانهم لا يجرونها ورائهم بل هى تسحبهم يجوبون الشوارع رغم صعوبة التنقل من حي سكني لآخر ورغم ارتفاع حرارة الجو ولهيب الشمس، ينبشون وسط أكوام النفايات وفي حاويات القمامة و في شوارع المدينة بحثاً عن مخلفات ومتلاشيات صالحة للبيع، يجمعون الكرستال والعلب الفارغة وكل ما يصل الى ايديهم ويصلح للبيع لمصانع إعادة تدوير النفايات سواء حديد او غيره. التقيت بمجموعة بعد العشاء بقليل يركبون عربة كارو يجره حمار يمتلكه اكبرهم لم يتجاوز السادسة عشر لديه إخوان والبقية من ابناء الجيران يسكنون بالقرب من المحطة الوسيطة للنفايات وسط حى غزة الفاخر في رواكيب، قالوا إنهم يخرجون في الصباح الباكر وبعد تثمين ما جمعوه من النفايات يقتسمون العائد حيث يتراوح ثمن كيلو الحديد 45 في مقابل 25 للبلاستيك وخمسة عشر للكرستال جميعهم لم يرتادوا المدرسة سألتهم هل ترغبون في الذهاب الى المدرسة جميعهم اجابوا بنعم بل احسست بشغفهم لذلك اما البيئة التى يعيشون حولها فهي تبعث على الشعور بالخوف كما ان طبيعة الحياة هناك تُشكل خطراً على الأشخاص الذين يعيشون فيها ولكنهم تأقلموا على ذلك ويبدو ان ذلك المكان قد وضعهم أمام مخاطر جمة كما رسم ملامح مستقبلهم.
ولكن أين حق هؤلاء الأطفال في التعليم؟ أليس لدينا قوانين تحظر أو تقنن عمل الأطفال وخاصة أنه يحرم هؤلاء الأطفال من أبسط حقوقهم كالتعليم واللعب كما انه يؤثر على نموهم السوي بسبب اختلاطهم بعالم الكبار، بل أن العمل يغير مستقبلهم وفي المقابل ما هي الحلول والاجراءات الاحترازية لمواجهة هذه الظاهرة؟
الاستاذ ياسر سليم الخبير في مجال شؤون الطفولة قال إن هذه الظاهرة في بلادنا تمثل نقطة التقاء وتماس لمعظم القضايا والظروف الصعبة والمشاكل الخاصة بالفقر وتدني دخل الأسرة ومشاكل الحروب والنزاعات والصراعات وإفرازاتها من تشريد العديد من الأسر إلى اماكن تفتقر إلى العيش الكريم وأن أول ضحية هو الطفل الذي يفقد كافة حقوقه من تعليم وصحة والعيش في كنف اسرة آمنة مستقرة وتصبح حياته جحيما فيبدأ بالبحث عن عمل ومن ثم يتعرض لكافة أشكال الاستغلال والإساءات، فضلا عن أن هناك بعض المجتمعات والقبائل التي تبيح عمل الأطفال وهو مقبول اجتماعيا مما يقلل الطلب على التعليم، مضيفا ان تلك المفاهيم تتزايد مع الهجرة من الريف الى المدينة حيث يعمل الاطفال في مهن خطرة وخاصة في مناطق السكن العشوائي والتي يتعرض فيها الاطفال لكافة انواع الاستغلال.
الاستاذ ياسر قال إن أية حلول يجب أن تكون مبنية على الحقوق حتى يمكن أن تُحدث تغييرا حقيقيا، مبينا ان قانون الطفل للعام 2010 جاء متقدما على العديد من القوانين والتشريعات السودانية الأخري، فقد نص على حظر عمل من هم دون 14عاما كما نص على مجانية وإلزامية التعليم لمرحلة الأساس أي ربط عمل الطفل بحق تعليم الأساس ونص صراحة في المادة (28) انه لكل طفل الحق في التعليم العام وانه على الدولة ان توفر التعليم الاساسي الالزامي بالمجان وأما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين14-18 سنة فقد سمح لهم القانون بمزاولة العمل ولكن وفق شروط منها على صاحب العمل إجراء كشف طبي على الأطفال قبل التحاقهم بالعمل وألا تزيد ساعات العمل اليومي عن 7ساعات تتخللها فترة راحة بحيث لا يعمل الطفل أكثر من 4 ساعات متتالية ولا يجوز تشغيله ساعات اضافية أو في العطلات أو ليلا بين الساعة 6 مساء وحتى 8 صباحا وأن يلتزم صاحب العمل بالتأمين على الطفل وتقديم الرعاية الصحية له كما نص القانون في المادة 86 د على عقوبة من يخالف أحكام المادة 36 الخاصة بحظر عمل من هم دون 14 سنة بالسجن مدة لا تقل عن شهر أو الغرامة أو العقوبتين.
وحول مدى فعالية آليات تطبيق التشريعات والقوانين وإنزالها إلى أرض الواقع قال الاستاذ ياسر انه من اكبر إشكاليات التشريعات السودانية المتعلقة بحماية الطفل هي غياب الجزاءات للمخالفين لنصوصها في كثير من الاحيان، مشيرا إلى انه ليس هنالك عقوبات لمن يفرض الرسوم الدراسية بل يتم فيها طرد التلاميذ الذين لا يدفعونها واصبح الاصل هو دفع الرسوم والعقاب لمن يخالف ذلك، مؤكدا انه لا يمكن الحديث عن الحد من عمالة الاطفال دون تطبيق مجانية والزامية التعليم ووضع جزاءات لمن يخالف ذلك، وقال إن نتائج مسح عمالة الاطفال ابانت ان اكثر من نصف الاطفال الذين شملتهم العينة يتركون الدراسة بسبب المصاريف المدرسية، مشيرا للآثار النفسية والاجتماعية السيئة على الاطفال جراء فرض الرسوم المدرسية خاصة انهم يزجرون عندما يعجزون عن تسديدها امام رفقائهم الذين يسخرون منهم او تنتابهم مشاعر الشفقة عليهم مما يفقدهم الاحساس بالقيمة وبعضهم يجنحون للانفراد والميول المضادة للمجتمع اما الطفل المراهق فتحدث له ازمة نفسية لتوبيخه امام اقرانه فيشعر بالعجز وقلة الحيلة ويحس بالنقص والظلم والاحباط فيترك مقاعد الدراسة.
الخبراء والمختصون اجمعوا على أن معالجة هذه الظاهرة لن تتم بالتشريعات فقط بل لا بد من إيجاد معالجات وحلول للمشاكل التي دفعت بهم إلى سوق العمل ولا بد من التنسيق بين كافة الجهات ذات الصلة سواء الرسمية أم منظمات المجتمع المدني.
ووفقا لخبراء التعليم فإن هناك ارتباطا وثيقا لا يمكن فصله بين تعليم الأطفال وانخراطهم في العمل حيث يشكل التعليم الأساسي الجيد المجاني والإلزامي عنصرا أساسيا في منع عمل الأطفال وقد تبين أن الدول التي تم فيها تطبيق التعليم الإلزامي المجاني لمرحلة الأساس انخفضت فيها معدلات عمل الأطفال بشكل فعلي.
ولكن بالرغم من أن المشاهد اليومية تدل على انتشار عمالة الأطفال بصورة كبيرة ومقلقة إلا ان هنالك تجربة مضيئة ومشرقة لم يسبق لها مثيل أتت أكلها رغم قصر مدتها وهي مبادرة المعتمد الاسبق اللواء حسن محمد حسن إدريس معتمد محلية بحري الذي أعاد أكثر من 2147 طفل يعملون في أسواق محليته ومزارعها وشوارعها وجناينها وعلى ضفاف نيلها إلى مقاعد الدراسة عبر مشروع حلم النيل .
المبادرة والتي جاءت تحت شعار التعليم أولا وجدت التأييد والمناصرة من قبل المنظمات العاملة في مجال الطفولة وعلى رأسها اليونيسيف وفقا لحديث الأستاذة منى محمد بابكر مدير تعليم الكبار بمحلية بحري، موضحة أن المبادرة جاءت لمعالجة تعليم الأطفال العاملين بالدرداقات بالسوق المركزي بشمبات في العام 2016م ثم وجدت الإقبال من الأطفال المستهدفين وأسرهم والمجتمع المحلي والآن بلغ عدد المراكز 21 مركزا يضم أطفال الدرداقات والعاملين بالمزارع والعاملين بالكمائن والعاملين بالجنائن فضلاً عن البنات العاملات بالمنازل والعاملات بالأسواق مع أمهاتهن.
وقالت إن المراكز كلها مهيأة بصورة جيدة وجميعها داخل مواقع العمل وتقدم للأطفال كافة المستلزمات الدراسية من الحقيبة والكتاب والكراس والأدوات فضلا عن الوجبات وذلك في مقابل التعليم .
وأضافت أن المنهج ينقسم إلى ثلاث فئات وهو منهج مضغوط بصورة جيدة وغير مخلة تم إعداده بواسطة خبراء تربويين حيث تستوعب الفئة الأولى الأطفال من سن7-9 والثانية من 10-14 والفئة الأخيرة المشتركة يتم فيها دمج الفئتين لتهيئتهما للانتقال للصف الثامن والجلوس للامتحان .
وأبانت أنه جلس لامتحان شهادة الأساس976 دارسا بالمراكز بنسبة نجاح بلغت 71% وحصل على مجموع (200 265) 48 دارسا تم تكريمهم من قبل المعتمد وما زال التسجيل مستمرا داخل الأسواق والمزارع للانضمام للدراسة.
داخل فصول مركز سوق بحري التقينا بالطلاب الدارسين ومن اول وهلة تلحظ اهتمامهم ورغبتهم في التعليم بل تشعر بفرحتهم بالدراسة، أغلب الدارسين وان لم يكن جميعهم تعاني اسرهم من الفقر وتدني دخل الاسرة، احمد عبيد ذو السبعة عشر عاما من قرية هجامة الغربية بشمال كردفان من المتفوقين بالدراسة يعول اسرته بعد وفاة والده والمكونة من والدته وخمسة إخوة بنين وبنات قال إنه كان يعمل في نظافة البقوليات وان سعر نظافة الجوال يبلغ ثلاثين جنيها ومتوسط الدخل في اليوم بحسب الانتاج بين 100-200جنيه ولكن وضعه تحسن بعد ان شمله مشروع تمليك الدرداقات فاصبح يعمل ويتعلم ويرسل المصاريف لامه واخوته بقريتهم.
محمد بدوي 15 عاما من قرية الزريبة يدرس في الفئة الاولى قال إنه حضر الى العاصمة هو وشقيقه وابناء عمومته منذ ثلاث سنوات وهو عازم على مواصلة تعليمه بالمركز والوصول الى الجامعة.
اما عبد الباقي الريح احد عشر عاما فمشكلته ان صوته خفيض بصورة غريبة رغم انه لا يعاني مرضا هو يقيم واسرته في قلب العاصمة (حي الدناقلة خفراء في منزل تحت التشييد) ولكن الظروف القاسية التي تعيشها اسرته حرمته من الدراسة فوالده كان يعمل في حفر الآبار و تأثر سمعه ولكن بافتتاح المركز سارع والده الى إدخاله المركز ويحرص على مواظبته، اسباب مشكلة عبدالباقي وفقا للمعلمة المشرفة انه كان منعزلا عن بقية الاطفال ولا يتكلم واذا تحدث لا يسمعك صوته، وعزت ذلك الى تأثره بعدم ذهابه الى المدرسة فهو يشاهد اقرانه من ابناء الجيران عند رواحهم وغدوهم من المدرسة ولا امل له فأثر ذلك على اندماجه مع اقرانه ولكنه بدأ يتحسن ويندمج .
عبدالباقي ذكرني بالصبى بائع الليمون وهما متشابهان في الشكل ولكن عبدالباقي يشعرك بضعفه وانكساره في مقابل شجاعة بائع الليمون الذى يتحمل فوق طاقته من اجل البقاء هم يجسدون محنة الكثيرين امثالهم الذين غيب الفقر والعوز حلم طفولتهم في الذهاب الى المدرسة ولكن المركز شكل اضاءة لزمانهم الآتي واما البقية فينتظرون من يلتقط القفاز ويعمم التجربة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.