تقرير : الرسالة عبدالرحيم الخرطوم 23-1-2023 (سونا) - جميعنا يعلم أن السودان هو أصل البشرية ومهد الحضارات وأرض الموارد المتجددة والمتنوعة التي تضرب بجذورها منذ القدم. ولأن الأمم لا تستطيع الانفصال عن حضارتها بل تدرسها وتكشف عن جواهر معالمها ، قامت وكالة السودان للأنباء بالتوغل داخل متاحف السودان للتعرف على تاريخها والمشاركة في نفض الغبار عن مقتنياتها. يوجد في السودان إثنا عشر متحفا أربعة منها في الخرطوم واثنان في مدينة بورتسودان ومتحف بيت الخليفة في مدينة أمدرمان والمتحف الحربي في الخرطوم بحري ومتحف شيكان في الأبيض ومتحف السلطان علي دينار في دارفور ومتحف حضارة كرمة وجبل البركل بالولاية الشمالية. ومع بداية العام (2023 ) زارت كاميرا سونا المتحف القومي بالخرطوم الذي تفتح بوابته الرئيسية على شارع النيل وتفتح البوابة الجنوبية على امتداد شارع الجامعة بالقرب من قاعة الصداقة. يخضع المتحف القومي هذه الأيام للعديد من الإصلاحات لإعادة ترميمه وفتحه قريبا للزوار، وفي الرابع عشر من يناير الجاري تم تحريك تمثال الملك تهارقا الذي يعد أكبر قطعة أثرية بالمتحف في أجواء احتفالية رسمية وحضور وزير الثقافة وعدد من الإعلاميين والمهتمين بالأثار وذلك لمكانة صاحب التمثال في التاريخ السوداني؛ كما ذكرت د. إخلاص عبداللطيف نائب مدير إدارة المتاحف إن الملك تهارقا من ملوك الأسرة الخامسة والعشرين الذين حكموا مصر والسودان وقد ذكر اسمه في الكتاب المقدس كبطل محارب وحامي للقدس من الآشوريين. وبتحريك تمثال الملك تهارقا تمت أهم عملية من عمليات تأهيل المتحف. بعد الخروج من المتحف القومي على الاتجاه الشرقي وفي الجزء الجنوبي الشرقي لمبنى القصر الجمهوري القديم وجنوب شرق القصر الرئاسي الجديد يقع متحف القصر مطلا على شارع الجامعة قبالة مباني وزارة التجارة الخارجية وحدائق الشهداء. يعد متحف القصر الجمهوري واحدا من المتاحف المهمة في الخرطوم ويحتوي على مقتنيات تاريخية تعود إلى القصر الجمهوري "مقر الحكم في السودان" خلال الحقب التاريخية المتعاقبة من تاريخ السودان الحديث. كما يضم المتحف مقتنيات أخرى أثرية وتراثية متعددة. وهو أول متحف من نوعه يعنى بمقتنيات حكام السودان في الفترة من 1884 إلى 2007 م، وقد تم افتتاحه رسمياً في 31 ديسمبر 1999 م. ومن أهم مهامه توثيق تاريخ رموز الحكم والسيادة في السودان ورموز الحركة الوطنية للنضال الوطني والحفاظ على جزء من التراث الوطني السوداني من مخاطر الاندثار والتلف وحفظه بصورة علمية وإتاحته للمهتمين والزوار ورصد وتوثيق مسيرة التطور في نظام الحكم في السودان خلال العهود الحديثة والقيام بدور تربوي وتعليمي يشمل فئات الطلاب والباحثين وغيرهم من زوار المتحف وإحياء النشاط الثقافي من خلال المحاضرات والندوات والمشاركة في المناسبات القومية والمعارض المختلفة داخلياً وخارجياً والإسهام في تعزيز السياحة في السودان. أخذ متحف القصر اسمه من القصر الجمهوري لأن معظم مقتنياته ومعروضاته تعود إلى القصر الجمهوري، ووقوعه داخل أسوار القصر وتبعيته للقصر من حيث الإدارة والإشراف باعتباره جزءا من القصر الجمهوري. يحتوي متحف القصر على العديد من الأجنحة نذكر منها جناح السيارات وهو جناح خارج المبنى، تعرض فيه السيارات الرئاسية القديمة التي كان يستخدمها حكام السودان السابقين في فترات الحكم الثنائي المصري الإنجليزي من 1889 وحتى 1956 م، والرؤساء السابقين في فترات ما بعد استقلال السودان في عام 1956 .ومن معروضاته سيارة رولز رويس قدمها خديوي مصر في عام 1924 هدية للسير روبرت هاو حاكم عام السودان البريطاني آنذاك، وسيارة أخرى من الطراز نفسه قدمت هدية للرئيس السوداني جعفر نميري عام 1984 م، وهي سيارة ذات مواصفات عالية وتتكون من جسم واقي من الرصاص. كما توجد في الجناح سيارات الحكام البريطانيين السابقين للسودان من طراز همبر في الفترة من 1940 وحتى 1955 م، وسيارة رولز رويس موديل 1954 ، وكان يستخدمها آخر حاكم عام بريطاني للسودان وهو نوكس هلم ، ثم استخدمها بعده أعضاء مجلس السيادة الرئاسي السوداني عندما نال السودان استقلاله في عام 1956 وكانت السيارة قد استخدمت أيضاً في تنقلات زوار السودان من زعماء حكومات ورؤرساء الدول الأجنبية ومن بينهم الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي زار السودان في نوفمبر 1959 م. ويضم جناح الصور واللوحات لوحات زيتية وصور فوتوغرافية للحكام والرؤساء في فترات ماقبل الاستقلال وفي العهد الوطني بعد الاستقلال ومن بينها لوحة للملك فؤاد ملك مصر، وأخرى للملك فاروق ملك مصر والسودان في الفترة من 1939 وحتى 1953 م، ولوحة للورد أللنبي المندوب السامي البريطاني لدى مصر وهناك أيضاً لوحات وصور فوتوغرافية لرؤساء سودانيين من بينهم إسماعيل الأزهري وإبراهيم عبود وجعفر نميري وعبد الرحمن سوار الذهب، ورؤساء حكومات سودانيين منهم محمد أحمد المحجوب وسر الختم الخليفة والجزولي دفع الله. يعد متحف أثنوغرافيا السودان الموجود في شارع الجامعة جنوب كبري المك نمر من أجمل متاحف الخرطوم التي توثق للتاريخ الثقافي والحضاري في جميع الفترات وما يميز المتحف أنه يعرض ثقافة القبائل المتنوعة في الشرق والغرب والجنوب والشمال من خلال مجسمات تحسبها حقيقية. وقد نشرت سونا تقريرا مفصلا عن تاريخ المتحف وصالات العرض الموجودة فيه. لا تقتصر متاحف السودان على عرض تاريخ الإنسان وحده، فهناك العديد من الكائنات الحية التي تشاركنا حدود هذا الوطن المميز كان لا بد من الاحتفاء بها في مبنى مخصص رعته كلية العلوم بجامعة الخرطوم، وسمي بمتحف التاريخ الطبيعي وهو من المتاحف العلمية التي تحكي عن تنوع الحياة الطبيعية في السودان حيث يعرض أنواعا نادرة من الحيوانات والطيور والحشرات المحنطة التي تعيش في السودان . يقع المتحف الطبيعي في شارع الجامعة بالقرب من قاعة الشارقة مقاصدا لجامعة الخرطوم . قريبا من كبري النيل الأزرق وبالتحديد تحته مباشرة تتفرد مدينة بحري بالمتحف الحربي الذي يوثق لكل المعارك والحروب التي خاضها الجيش السوداني ويتم فيه حفظ وثائق القوات المسلحة ومقتنياتها. وفي الثامن عشر من يناير اتجهت كاميرا سونا إلى مدينة أمدرمان للمشاركة في افتتاح متحف بيت الخليفة المجتمعي الذي يعد جزءا من مبادرة متاحف غرب السودان المجتمعية التي تمت بتمويل من المجلس الثقافي البريطاني( British Council ) ومؤسسة ( ALIPH) وتعاون مع المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية وجهات عالمية ومحلية منها على سبيل المثال أسرة الخليفة عبدالله التعايشي. وقالت أستاذة نعمات محمد الحسن أمين متحف بيت الخليفة أن المتحف لن يقتصر على القطع الأثرية القيمة فحسب بل سيلعب دورا مجتمعيا من خلال المشاركة مع المجتمع في جميع جوانب الفن والثقافة والتراث. وفي إطار الحديث عن متاحف غرب السودان دعونا نتجه إلى مدينة الأبيض بشمال كردفان حيث يوجد تاريخ أصيل يعرضه متحف شيكان الذي يقع بالقرب من الإذاعة. يوثق متحف شيكان لتاريخ الحياة الاجتماعية والسياسية في كردفان والأحداث والمعارك التي دارت هناك. ومن كردفان نتجه إلى دارفور، تحديدا مدينة الفاشر التي يوجد بها متحف السلطان علي دينار ، يحتوي المتحف على مقتنيات السلطان علي دينار إذ أنه يعتبر من أشهر السلاطين الذين عرفتهم المنطقة، لامتلاكه وعياً سياسياً ميّزه عن بقية القادة المحليين في السودان وسائر إفريقيا. واسمه الأصلي محمد علي، أما دينار فتعني باللهجة الدارفورية (دي نار) أي أن هذا الشخص رجل نار وصعب وقوي وشجاع. يذكر السودانيون السلطان دينار بفخر واعتزاز، ففي فترة حكمه عمل علي دينار على إنعاش إقليم دارفور من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. وقد كان السلطان متديناً، واهتم بتأسيس دولة قائمة على تعاليم الشريعة الإسلامية. فعكف على تأسيس مراكز تحفيظ القرآن والمحاكم الشرعية، كما نظم إدارة دولته، مرتكزاً على النهج الإسلامي. ولعل أبرز أعمال السلطان التي حملت السودانيين على ذكره بفخر حتى هذا اليوم، دأبه على مساعدة المحتاجين في الأراضي المقدسة (مكة والمدينة)، إذ كان يرسل إليهم خراج المحاصيل الزراعية. كما حرص السلطان على كسوة الكعبة المشرفة في موسم الحج، بعد أن عطل الإنجليز القافلة السنوية التي كانت ترسل من مصر حاملة كسوة الكعبة كل عام. وكانت جيوش السلطان دينار تعمل على تأمين قوافل الحجيج القادمة من دول غربي إفريقيا نحو مكة، مارة بمدينة الفاشر عاصمة السلطنة. أيضاً عمل السلطان علي دينار على حفر آبار في الأراضي المقدسة، لترتوي منها قوافل الحجيج، ويؤكد مؤرخون سودانيون أن الآبار الشهيرة التي يطلق عليها (أبيار علي) في السعودية قد سميت تيمناً بالسلطان علي دينار. وحول موقفه من الحرب العالمية الأولى فبعد أن كان تعامل علي دينار مع الإنجليز يتسم بشئ من الدبلوماسية، بات الصراع بين الطرفين علنياً ومكشوفاً، بعد وقوفه إلى جانب الأتراك في الحرب العالمية، وقد عزم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على ترميم القصر بعدما زار السودان في العام 2006، تكريماً لذكرى علي دينار، الذي وقف مع الأتراك في حربهم ضد الإنجليز. كما أسلفنا سابقا أن بورتسودان تحتوي على متحفين يعد أحدهما أول متحف بحري في السودان حيث يعكس تنوع الكائنات البحرية التي تعيش في البحر الأحمر ويطلق عليه متحف بورتسودان أكواريوم الذي يقع على كورنيش بورتسودان. أما الثاني فيسمى متحف البحر الأحمر للتراث والآثار الذي يقع غرب وزارة السياحة وشرق كلية التربية. وفي شمال السودان بالقرب من أهرامات البجراوية ومدافن الملوك ومعابد القديسين والرهبان يقف جبل البركل شامخا ليحكي سيرة أجدادنا العظماء ويشهد على نقوشهم وآثارهم ، هنالك تم تأسيس متحف جبل البركل الذي يقع في مدينة كريمة (شرق جبل البركل) وفيه تعرض القطع الأثرية التي تم استخراجها من منطقة جبل البركل. ومن كريمة إلى كرمة التي تجاور مدينة دنقلا حيث نختم جولتنا بمتحف كرمة الذي تعرض فيه تماثيل بعض الملوك والملكات (الكنداكات) الذين حكموا السودان. وكما أخبرنا وزير الثقافة والإعلام د. جراهام عبدالقادر فإن العام (2023 ) يعتبر عام المتاحف في السودان وسنشهد فيه تأهيل المتاحف والاهتمام بالآثار وانعاش السياحة وربط تاريخنا المادي بتراثنا الثقافي لبناء وطن مستقر وموحد.