كثفت شركات الألبان حملاتها لشراء أكبر كميات من الألبان السائلة الموجودة بمزارع مربيي الماشية في كل من ريف شمال أم درمان وحلة كوكو وسوبا، وهي المناطق التي تتوافر فيها مزارع تربية الماشية المخصصة للألبان السائلة التي توزع في العادة عبر الباعة الجائلين بواسطة سيارات نقل صغيرة.. وكثفت الشركات حملاتها الإعلانية لطرح منتجاتها من الألبان الطازجة عبر ملصقات في الشوارع العامة ودوارانات المرور وأماكن التجمعات والوسائل الإعلامية في شكل إعلانات مثل إعلان ميلكو الشهير في الإذاعة السودانية. وتأتي هذه الخطوة من الشركات في إطار تنفيذ قرار المنع التدريجي لمنع الألبان السائلة بواسطة هذه الفئة من العاملين واقتصار بيعه على العبوات الورقية والبلاستيكية، والتي يرى كثيرون أن أسعارها فوق طاقة المواطن. بل وصفها الدكتور تاج الدين عثمان سعيد الأمين العام لوزارة الزراعة والثروة الحيوانية بولاية الخرطوم في حديث سابق لمركز الصحافي الدولي للإعلام، بأنها أسعار فاحشة، مؤكداً أن الدولة عندما اتخذت قرار تطوير صناعة الألبان والمنع التدريجي للبيع الجائل للألبان، كانت تهدف إلى توفير ألبان نقية وصحية وخالية من الشوائب وتنعدم فيها المخاطر الصحية، وليس رفع كاهل المواطنين بهذه الأسعار. وأوضح عاملون في البيع التقليدي للألبان الطازجة في أم درمان، أن شركة واحدة اشترت أمس الجمعة نحو 80 ألف رطل بسعر يتراوح بين 800 قرش و1200 قرش للرطل، مشيرين إلى أن هناك تجاوب كبير من قبل كبار المربيين للتعامل مع مناديب هذه الشركات، إلا أنهم لا يفصحون عن السعر الحقيقي الذي يبيعون به «التمنة» وتساوي ثمانية أرطال لمندوبي الشركات مما جعلهم يشتكون من أن كبار المربين أصبحوا يفضلون مندوبي الشركات على الباعة التقليديين وأصحاب المهنة والذين يقدر عددهم بالآلاف. وأوضح بله عبد الله من الريف الشمالي لأم درمان أن العبوات التي تبيع بها الشركات أقل من 30% من زنة الرطل، ويمكن أن تنتهي صلاحيته خلال أربعة أيام فقط، مشيراً إلى أن ما يقال إن بائعي اللبن يضعون مادة البنسلين لمنع تخثر اللبن حديث تروج له هذه الشركات، فالحليب الذي يباع للأسر في الأحياء طازج ونقي وصحي ويمكن أن يتعرض للتخثر الطبيعي طالما توافرت العوامل لذلك. وأمام ذلك دافع الأستاذ مدثر البحر مدير مركز تجميع الألبان في شركة كابو للألبان عن ما يقال عن ارتفاع أسعار عبواتهم، مشيراً إلى أن سعر رطل اللبن المبستر والمقدم بطريقة صحية لا يتعدى 150 قرشاً، فيما يصل سعره عند الباعة الجائلين إلى 160 قرشاً، ودعا البحر الذي وجه الدعوة لوسائل الإعلام لزيارة مواقع برنامج تجميع الألبان للتعرف على ألبان هذه الشركات، وأنها أكثر أمناً وصحة خلافاً للأخرى التي كشفت متابعاتهم أن فيها كثيراً من الغش، ويضيفون المضادات الحيوية ويستخدمون مياه غير نظيفة، وهو الأمر الذي نفاه الباعة الذين تحدثوا «للمركز». وكان مدير عام وزارة الزراعة بولاية الخرطوم والأمين العام لاتحاد الرعاة وأمين اتحاد مزارعي ولاية الخرطوم قد انتقدوا الأسعار العالية التي تبيع بها الشركات، مؤكدين بأنه تم الاتفاق بأن تقدم هذه الشركات خدمات لأصحاب المزارع كالأعلاف والبيطرة مقابل أن يعطوها منتجاتهم بأسعار معقولة. وقالوا إن أصحاب المصانع لديهم التقنيات والمعامل وطرق التسويق والتوزيع، لكن لا توجد لديهم ألبان طازجة ولا تتوافر هذه النوعية إلا عند صغار مربيي الماشية في ولاية الخرطوم مثلاً. وأكدوا أن قيام شركات الألبان الكبرى بشراء هذه الألبان السائلة المخصصة لسكان الأحياء بأسعار أفضل من التي يبيع بها مربيو الماشية ألبانهم للمواطنين.. واعتبروها عملاً تجارياً بحتاً لم يراع الفوائد الكبيرة التي يحصل عليها المواطن في الحصول من امام باب منزله على لبن سائل غير مخلوط بالبدرات وسعره مناسب. محذرين من انحسار باعة الألبان السائلة خاصة في الأحياء الطرفية في الولايات، مشيرين إلى أن الحال إذا استمر هكذا فسيفقد الكثير من أصحاب هذه المهنة مهنتهم، وستنعدم الألبان الطازجة من الأحياء وتختفي نهائياً ولن تتوافر بعد ذلك إلا في عبوات صغيرة لا تسد رمق طفل كما ذكر البعض.