أبوة المعلم: إذا كنا نقول (رب أخ لك لم تلده أمك)، فلا مانع أن نقول رب أب لك غيرأبيك، تتمتع بأبوته الحانية، والأبوة موهبة جميلة، يمكن أن تكون لدى كثيرين، ويمكن أن تشمل كثيرين غير من يلدهم أب من أم، وفق ضوابط قوانين الزواج، وفي المسيحية، وعند الكنائس التقليدية القديمة، يعد كاهن الكنيسة ومدبر شؤونها، أباً روحياً لكل أبناء الكنيسة، وهذه أبوة روحية ليست أبوة طبيعية، وكما رسم محمد علي باكثير صورة لرجل عالم من علوم الحديث، وتفسير القرآن الكريم، حاز على لقب قس نظراً لنسكه ومحيَّاه، وشغفه بالروحانية، هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، من مواطني مكةالمكرمة، وقد حصل على هذا اللقب من كبار رجال مجتمع مكة في القرن الأول الهجري، وغلب عليه هذا اللقب، حتي صار لا يعرف إلا به، هكذا في تاريخ السودان هناك من أعطى لقب أبونا لأبوته الحانية، وأمكانياته الأبوية، وفي مجتمعنا السوداني يتنامى الحنان ويقول المعلم للتلميذ يا ولدي، ويقول الحرفي للصبي الذي يتعلم على يديه يا ولدي، بنفس الحنان الذي خاطب به إبراهيم أبو الآباء ولده، عندما أخذه ليذبحه بناءاً على طلب الله، أما رجل الصوفية في السودان فهو يعتبر نفسه أباً للجميع، ويخاطب الِْحيران قائلاً: يَا أَوْلاَدِي، ويخاطب كل واحد فيهم قائلاً يا ولدي، وقبلهم كان بولس الرسول يخاطب تلاميذه خطاب الأب لأبنائه ويقول: يَا أَوْلاَدِي \لَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضاً إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ \لْمَسِيحُ فِيكُمْ.(غلاطية19:4).. هذا بالرغم من أن الرجل لا يتمخض، ولكن بولس يريد أن يعطي صورة صادقة للأبوة، والتي هي في حنان الأمومة، وفي موضع آخر يقول بولس في أبوة صادقة وهو الذي لم يتزوج ولم يكن له أولاد بالجسد، ولكن كان له بالروح أولاد كثر، وهو يقول. 1. لَيْسَ لِكَيْ أُخَجِّلَكُمْ أَكْتُبُ بِهَذَا بَلْ كَأَوْلاَدِي \لأَحِبَّاءِ أُنْذِرُكُمْ.(كورنثوس14:4). 2. كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَالأَبِ لأَوْلاَدِهِ، وَنُشَجِّعُكُمْ،(تسالونيكي الأولي11:2). ويتألق يوحنا الحبيب في الأبوة الروحية وقد كان بتولاً لم يتزوج قط، ولكنه عن أبوته الروحية ومن خلال أبوته الروحية يخاطب الناس هكذا: يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا (يوحنا الأولي1:2)، لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا: أَنْ أَسْمَعَ عَنْ أَوْلاَدِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِالْحَقِّ.(يوحنا الثالثة4)، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا \لأَوْلاَدُ لأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ \لْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ \سْمِهِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا \لأَوْلاَدُ لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ \لآبَ.(يوحنا الأولي2: 12-13) ولقد أعطى السودانيون لقب أبونا أبو السودان للمطران كومبوني، لدوره في تخفيف شدة المجاعة. أمين زيدان: وعندما احتفلت جامعة الزعيم إسماعيل الأزهري، برائد الفكر والتعليم أمين زيدان، ساد الأحتفال روح أبوته، وبدأوا يتحدثون عنه أنه أبونا أمين زيدان، وتألق أمين زيدان وكأنه معنا في الاحتفال، وشعرنا جميعاً بأبوته الحنونة، بنفس المستوى الذي يتحدث فيه محبو ومريدو الصوفي الساطع البرعي، عندما يقولون بملء فيهم أبونا البرعي، وكان الإحتفال في جامعة الأزهري في منتدى شهر أبريل، في الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الأستاذ أمين زيدان، وكان هذا بمشاركة جامعة أم درمان الأهلية، وقد أشار الأستاذ ميرغني عثمان، المعلم والأب، بكل وضوح إلى أبوة أمين زيدان، مهتماً بحضور أبونا الدكتور فيلوثاوس والذي قال سابقاً، إنه يرغب في أن يكون كل رجل أباً حنوناً لكل ابن من أبناء السودان. وعندما نتحدث عن أبوة أمين زيدان، نراه أباً للتعليم والإدارة والقانون، وقد كان له من العمر ستة وثمانين عاماً عندما غادر العالم بعد رحلة جميلة، أصيلة، طاهرة عفيفة، وكان أباً في مجال التعليم منذ عام1929م-1954م، ثم أباً في مجال الإدارة منذ عام 1954-1965م، أما أبوته في مجال القانون فقد كانت من 1966-1989م، وبعد هذا قدم أبوته في كل المجالات من بعد 1989م، حتي كان يوم رحيله إليى العالم الآخر في مساء الجمعة 12/4/1996م، وعندما تخرج أبونا زيدان في الجامعة، انضم إلى آباء نادي الخريجين، وصار عضواً في اللجنة التمهيدية لنادي الخريجين، وقبل الافتتاح الرسمي تقرر الأحتفاء بخريجي 1931م، وتم اختياره لإلقاء كلمة الترحيب التي جاءت فيه دعوته إلى توحيد الجنسية مندداً بالقبلية، وكان هذا سبباً في نقله من الخرطوم إلى وادي حلفا، وأبوه زيدان لم يكن له موقع محدد، إنما هو أب في كل موقع يذهب إليه، وفي حلفا عمل جاداً مع الخريجين زملاء مبادئه، حتى تم التصديق بإنشاء نادي الخريجين في حلفا، وتم اختياره سكرتيراً، وكلف بإلقاء كلمة الافتتاح، وكان أسلوبه نوراً وناراً، نور لمجئ الاستقلال، ونار لقوى الإستعمار، وكانت كلمته شديدة اللهجة، حارة الكلمات، نارية التعبيرات، وساعد هذا على أن ينقل من حلفا إلى الخرطوم، لقد احتار الإستعمار فيه، أما هو فلم يحتر، لأن كل موقع في السودان مدناً وحلالاً، وقرى وحواضر، كان ينادي بالاستقلال، وفي الخرطوم عاد إلى نشاطه في نادي الخريجين بالخرطوم، ثم في شيخ الأندية بأم درمان، عندما عمل بها عام 1936، حيث كان التفكير منحصراً في قيام مؤتمر الخريجين، وشارك زملاءه في النشاط التمهيدي، وهنا تم ترشيحه لبعثة دراسية في المملكة المتحدة1939-1941م وعاد لكي يؤسس حزب الأشقاء 1942م، ثم انتخب عضواً في الهيئة الستينية لمؤتمر الخريجين منذ عام 1943 حتي 1947م.