واليوم أمر.. وغداً أمر.. ونكتب في وجع والغصة تطعن في الحلق.. ونرسل البصر إلى شمال الكرة الأرضية.. نجد الحضارة والخضرة والنضارة والقدرة.. نجد الرفاهية وكيف يكرم الإنسان.. كيف هي حقوق الإنسان.. وكيف هي عزيزة حظائر الحيوان.. ونرسل نفس البصر إلى عالمنا العربي ليرتد لنا البصر خاسئاً وهو حسير.. نجد البشاعة وكيف هو مسكين منتهكة حقوقه الإنسانية.. وكيف تتجول المسغبة في الطرقات.. وكيف هي غليظة ضيقة صغيرة ومتسخة الحراسات.. ونسأل.. لماذا كل ذلك.. ما السبب أهو غضب من الله على الأمة العربية.. أم هي أعمالنا وأحقادنا.. وكذبنا وتسيبنا واحتيالنا ولصوصيتنا ومؤامراتنا.. ولماذا الوجه المضيء من القمر هناك.. لماذا بيد دونها بيد.. وصحارى موحشة هنا.. وعتامير تشكو الطقس والجفاف هنا.. ونجد الإجابة ناطقة صارخة ساطعة وهي أن كل ذاك الجمال والجلال والمحال هو صناعة ونتاج نظام وتشريع ومنهج.. وكل هذا القبح والتقطع من القوافل المتجهة لقلب الشمس هو نتاج استبداد الحكام.. ونظام حكم شائه.. ومواطن عربي ما زال يركض في مضامير الجاهلية التي سبقت انبلاج الفجر وشروق شمس الحق.. دليلنا على ذلك هو ما أحدثه الإسلام في تلك الصحارى الموحشة.. وما فعله تهذيباً وتقويماً لتلك النفوس التي كانت تتيه في حقول الجهل والوثنية وكيف وبفضل منهج الإسلام.. رفرفرت رايات الحضارة والإنسانية والأخلاق الشاهقة الشاسعة حتى في قلب أوربا.. وذلك عندما ساد العرب العالم.. و تمدد حتى الأعاجم المسلمين في بلاد الأعاجم.. في تلك الأيام الحافلة بالمجد والنصر كانت الأمة العربية قافلة الحضارة ومن خلفها تلهث أوربا وهي تتسربل بثياب التخلف تلتحف البؤس وتفترش الهمجية.. يؤكد قولنا إن التشريع والنظام والمنهج هو الذي ينتج النجاح والانتصار أو الهزيمة والانكسار.. ويزول عجبنا بل كل ذلك يجيب تساؤلنا.. وها هي الديمقراطية التي اتخذها الغرب.. عقيدة وطريقاً هي التي قادت هذه الأمم إلى مراقي ومراتب هذا الترف الباذخ.. وذاك النعيم المقيم.. صحيح أن الديمقراطية ليست وحدها هي التي تبني الأوطان.. ولكنها تفسح المجال واسعاً لإبداع الإنسان.. وتزول دهشتنا ويتبدد عجبنا.. عندما نعلم أن الناس هناك لا يحتكمون في اختيار الحكام إلا إلى ورقة صغيرة يضعها المواطن في صندوق من الحديد أو الصفيح أو الزجاج.. ليأتي الرئيس أو رئيس الوزراء.. وهو يعلم أن هناك دستوراً يقيد يديه.. ليعلم أنه خادم للشعب.. ليعلم أنه لن يبقى في الحكم حتى القبر.. ليعلم أن مال الدولة عليه حرام.. ليعلم أنه يمكن أن يقف بل يجلس في قفص اتهام مثله مثل أي مواطن.. بلا حرس ولا «جوقة» مرافقين وبلا حصانة لو امتدت يده لجنيه واحد غير مشروع.. ليعلم أنه يمكن أن يجد نفسه خارج القصر إلى الطريق العام.. ودلوني على رئيس وزراء أو رئيس جمهورية حاصرت الدبابات قصره منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في طول وعرض البلاد الأروبية تطالبه القوات بالرحيل.. بل دعوني أتحدى أي مواطن أي إنسان شاهد دبابة واحدة في طول وعرض لندن أو باريس أو برلين أو أوسلو.. أو نيويورك.. تجوب الشوارع أو رابضة في مداخل الكباري منذ عام 1945م وحتى اليوم.. ثم نأتي إلى فضيلة أخرى يجب أن يتحلى بها الحكام في الغرب الكافر.. وهي الصدق.. صحيح أن هؤلاء الغربيين حكاماً وشعوباً يأتون بأفعال تخجل حتى الشيطان ولكنهم لا يكذبون على شعوبهم أبداً.. أبداً.. الكذب عندهم عار بل هو السبب الوحيد الذي يطيح بهم بعيداً عن القصر.. وهل تحتاجون أمثلة مازالت حية تنبض وتفيض بالحياة.. هاكم أولاً.. فضيحة «مونيكا».. والمحقق الخاص «كنيث استار» يحقق مع كلينتون.. يحاصره حصار المقاومة في البوادى.. بل «يزره زرة الكلب في الطاحونة» ليس لأنه أتى فاحشة وإثماً كبيراً.. وهي ذاك السلوك الصبياني الطائش وهو التحرش بتلك المتدربة.. أبداً.. لم تكن تلك «الزرة» عن ذلك مطلقاً.. كان عظم وهيكل ولب المحاكمة بل كان السؤال هو لماذا سيدي الرئيس قد كذبت على الشعب الأمريكي؟؟ والأحد نواصل