القانون التونسي يمنع تعدد الزوجات ومن يخالف هذا القانون ويضبط(متلبساً) بهذه الجريمة، فجزاؤه السجن لمدة عام كامل أو الغرامة بما يوازي(71) ألف دولار أمريكي، والأدهى والأمر في ذلك أن القانون لا يعترف بالزواج الثاني ويعتبره باطلاً وغير منتج لأي أثر. وقد قرأت خبراً مضحكاً ومبكياً في نفس الوقت أوردته(الشرق الأوسط) ذا علاقة بهذا الأمر أمس، حيث يقول الخبر إن حركات(حداثية) تونسية (اتهمت) زعيم حركة النهضة الإسلامية الشيخ راشد الغنوشي (بالزواج من امرأة ثانية)، الأمر الذي نفته قيادة الحركة بشدة، وأكدت أن المسألة ليست سوى (مؤامرة) يسعى مروجوها إلى(تأليب) الرأي العام التونسي خاصة العنصر النسائي. ويمضي الخبر فيقول إن المتحدث الرسمي باسم حركة النهضة الإسلامية علق على هذا الاتهام بالقول إن الأمر لا أهمية له بالنسبة للشيخ الغنوشي ولكامل قيادات الحركة، وإن حركة النهضة وكل المنتسبين إليها (ينضبطون) بقوانين البلاد وخياراتها ولا يمكن أن يتجاوزوها بأي شكل من الأشكال.. وإن الشيخ الغنوشي (بعيد كل البعد) عن مثل تلك المزاعم!! المضحك في هذا الخبر هو الجدية التي تناول بها الطرفان الموضوع، فالحركات المسماة حداثية وهي حركات مناهضة لحركة النهضة الإسلامية، اختارت هذا الأمر عن عمد ليس لوصم شيخ الإسلاميين في تونس بمخالفة القانون فحسب، ولكن للوقيعة بين حركته وبين العنصر النسائي الذي تقول الإحصائيات إن معدلات تزايد أعدادهن باضطراد ملحوظ، مما يعني خسارة محققة للحركة في هذا العنصر، وفي الجانب الآخر ردت حركة النهضة بجدية أكثر ودافعت باستماتة عن شيخها وكأنه قد اتهم بكبيرة من الكبائر، واصفة الإدعاء بالمؤامرة الهادفة إلى تأليب الرأي العام التونسي ضد الحركة، وتؤكد الحركة أنها وكل منسوبيها وعلى رأسهم الشيخ الغنوشي ينضبطون بقوانين البلاد ولا يتجاوزونها بأي حال من الأحوال. المبكي في هذه الحكاية أن القوى العلمانية في تونس استطاعت بفضل سياسات الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي أن تحدث كثيراً من التشوهات في الملامح الإسلامية للمجتمع التونسي بإجراء عمليات تحوير لكثير من موروثات الثقافة الإسلامية واستبدالها قسراً وبقوة القانون أحياناً، وبقانون القوة أحياناً أخرى.. بتقاليد وقيم وممارسات مستجلبة من الغرب الذي يتخذ من المسيحية المحرفة مرجعية له، إذ أن التعدد لديهم يعتبر محرماً وينظر إليه على أنه يمثل إهانة وإذلالاً للمرأة رغم أنهم يبيحون التعدد ويشجعونه ولكن خارج مؤسسة الزواج، وهو أمر عجيب وغير منطقي، فهذا الأخير هو الذل والمهانة بعينها للزوجة المسكينة وضياع حقوقها المادية والمعنوية لصالح العشيقة (الضهبانة). والشيء المحزن أيضاً أن ترى حركة تنادي بالنهضة الإسلامية ورجليها تغوصان في هذا الوحل الذي خلطته قوى ما يسمى بالحداثة، فلا تستطيع الخروج منه وتستسلم لقدرها هذا فتحسن إذا أحسن الناس وتسيء إذا أساءوا.. فتعدد الزوجات من الأمور المباحة في الإسلام، فللرجل المسلم حق الزواج من أكثر من واحدة متى ما التزم وأوفى بضوابط التعدد وهي ثلاثة ضوابط: العدد وهو لا يتعدى الأربعة، ثم العدل فلا يميل كل الميل فيذر الباقيات كالمعلقات، ثم النفقة فلا يجوز لمن لا يستطيع الإنفاق أن يقحم نفسه في هذه اللجة حتى لا يظلم ولا يضيّع من يعول. كان المتوقع أن تصدع الحركة بالحق وتقول بما تقول به الشريعة في مسألة التعدد.. وأن تنادي بإلغاء القانون الذي يحرمه ويجرمه، ولئن كانت الحركة مضيّقاً عليها ومكممة الفاه في عهد (بن علي) وبطانته، فقد ذهب هؤلاء ولم يعد هناك ما يخيف، وبالتالي لا مبرر لفقه التقية ولا داعي لمسايرة (قوانين) و(خيارات) تخالف صراحة نصوصاً قرآنية ونبوية وأموراً معلومة من الدين بالضرورة. وفات على من فرضوا هذا القانون المجحف أنهم ورغم ادعائهم بأنهم صاغوه من أجل الحفاظ على حقوق النساء، إلا أنه فات عليهم أنهم من حيث لا يشعرون أغلقوا باب الأمل تماماً أمام أولئك اللاتي فاتهن قطار الزواج في اللحاق بالقطار (المشترك) في محطات متأخرة عن طريق التعدد ليصبحن زوجات بالمناصفة أو المتالتة أو المرابعة، وأن يأتين متأخرات خير لهن من ألا يأتين البتة. وطبعاً نحن في السودان نحمد الله علي تفهم وتقبل نسائنا لمسألة التعدد الذي أصبح شائعاً ومنتشراً بشكل ملحوظ، بل البعض يرى أنه أصبح موضة وتقليعة رائجة هذه الأيام، وحتى اللاتي لا يرضين به لا يشكلن خطورة ولا جبهات ممانعة وحركات مقاومة.. واختفت ردود الفعل العنيفة التي كانت في الماضي تخيف الرجال مثل الانتقام (بالموية السخنة) أو موية النار أو (سواطة) الصبغة في القهوة أجاركم الله.