تونس - رغم "التطمينات" المتكررة التي حرص رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي التأكيد عليها بنفسه تجاه المكاسب التي تحققت للمرأة التونسية منذ استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي عام 1956 فإن "الأوساط النسائية" التونسية تبدو متوجسة من فوز حركة النهضة بنسبة تجاوزت 40 في المائة خلال انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت يوم 23 تشرين الاول/أكتوبر. تخشى نساء تونس من طبيعة "المشروع الإسلامي" لحركة النهضة الذي يعتبر الشريعة الإسلامية مرجعا للسياسات التي ستعتمدها بعد الفترة الانتقالية التي ستؤدي إلى رئيس جديد و"حكومة نهضوية" مهمتها بناء "مجتمع إسلامي". وتقول فتاة في العشرين من العمر وتدرس الفنون الجميلة بالجامعة التونسية تدعى أسماء بن صالح "شخصيا لم أنتخب النهضة إنني أخشى أن تحول النهضة المجتمع التونسي مثل مجتمع طالبان أو المجتمع الخليجي، المرأة هنا في تونس ناضلت كثيرا من أجل حريتها وهي ليست مستعدة للتفريط فيها". وتضيف "أما وقد فازت حركة النهضة في الانتخابات نتيجة استغلالها للدين وتوظيف المساجد فعليها أن تأخذ في الاعتبار أمرين اثنين، أولهما أن المرأة لن تقبل التراجع عن حقوقها المكتسبة، وثانيهما أنها ساهمت في الثورة من أجل تعزيز هذه الحقوق". وتابعت وهي تنفث دخان سيجارتها "باختصار شديد، لست معترضة على أن تحكم حركة النهضة البلاد ولكن عليها أن تكون على وعي بأن حرية المرأة وحقوقها هي خط أحمر إذا حاولت الاقتراب منها ستحترق". وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أكد أن برنامج النهضة وحلفائها لحكم البلاد "لا يحمل مشروع إكراه أو قسر أو بطش بل هو يقوم على مبدأ الحرية في الفكر والعقيدة واللباس والتعبير" . لكن عديد النشطاء والناشطات في المجتمع المدني يعتبرون خطاب النهضة "مسكنات" في قالب تطمينات ضمن خطاب مزدوج وحذر من ردة فعل المجتمع المدني العلماني بطبعه وهو مجتمع يرى في حرية المرأة عنوان الحداثة. وتقول أحلام منصور وهي أستاذة لغة أنكليزية وناشطة صلب بجمعية نسائية "لا أثق كثيرا في خطاب النهضة، إن شأنها شأن كل الحركات الإسلامية تنظر للمرأة نظرة دونية ولا تثق في قدرات النساء". وتضيف منصور التي ترتدي الجينز وهي تجلس في مقهى في حي النصر الراقي شمال العاصمة تونس "لقد تحققت للمرأة التونسية عدة مكاسب ووضع المرأة التونسية هو الأفضل عربيا، ولم يكن ذلك صدفة ولا هدية من نظامي بورقيبة أو بن علي، إن ما تحقق للمرأة هنا هو نتيجة نضالات أجيال من المفكرين والمصلحين خاصة المصلح الطاهر الحداد وكذلك لا ننسى نضالات المرأة التونسية خلال الحقبة الاستعمارية". وتابعت "لتحكم النهضة فقد كان ذلك ما أفرزته صناديق الاقتراع رغم ما لنا من مؤاخذات عن الحملة الانتخابية وتوظيف الدين، ولكن مطالبنا لا بأن تحافظ على مكاسب المرأة فقط، بل بأكثر من ذلك، عليها أن تحقق مكاسب جديدة تتطلع إليها المرأة مثل فسح المجال أمامها كي تتولى مراكز قيادية في المجتمع وفي الدولة لتشارك في بناء المجتمع الذي قامت من أجله الثورة". وتلاحظ منصور "إن أي مساس بحقوق المرأة لن يمر بصمت، لقد أصبحنا نشاهد منقبات في شوارع تونس وهي ظاهرة غريبة وتستدعي الدراسة والبحث في مجتمعنا المتفتح على الثقافات والحضارات، إنها موضة مثل كل الموضات". ويعكس رأي أحلام منصور ظاهرة لم يألفها المجتمع التونسي ومشاهد غريبة عن ثقافته، فقد انتشرت خلال الأشهر التسعة الماضية ظاهرة المنقبات اللواتي يمشين خلف الملتحين أو بجانبهم في مشهد يحيل إلى المجتمعات الخليجية ولا يمت إلى الخصائص الاجتماعية للمجتمع التونسي بأية صلة". وقد تعرض خلال هذا الأسبوع أستاذ بجامعة منوبة للتعنيف من قبل مجموعة من الطلبة الملتحين لأنه طلب من منقبة أن تكشف عن وجهها خلال الدرس. وبرأي المراقبين فإن انتشار ظاهرة المنقبات في مجتمع علماني متحرر يؤكد دور النهضة وشحن النساء بثقافة قروسطية لا تعكس بالضرورة الإيمان أو التدين بقدر ما تعكس بداية ومؤشر على "مجتمع إسلامي" يفصل بين المرأة والرجل في الحياة العامة. لكن راشد الغنوشي أكد التزام حركة النهضة "بتعزيز مكاسب المرآة التونسية والسهر على الارتقاء بمكانتها وتدعيم مشاركتها في العمل السياسي بما يمنع حصول إي ارتداد عما بلغته من مكانة مؤكدا وجود نساء في تركيبة الحكومة الائتلافية القادمة سواء كنا متحجبات أو غير متحجبات". وفي رسالة إستباقية لطمأنة التونسيين والتونسيات من فرض "الزي الإسلامي" على المرأة قال الغنوشي إن "الحركة لن تكره أي أحد على ارتداء الزي الإسلامي وانها لا تريد ان تحول التونسيين إلى منافقين عبر تظاهرهم بما لا يفعلون". مضيفا "أن النهضة مع حق التونسي والتونسية في أن يلبسوا ما يشاؤون وأن يمارسوا حياتهم بالشكل الذي يرونه مناسبا لهم لأن تلك أمور شخصية". وشدد على أن "دور الدولة يكمن في المحافظة على حقوق الناس لا أن تصادرها". وحرصت النهضة خلال حملتها الانتخابية على ترشيح نساء غير متحجبات، ويتردد في تونس حاليا أن الحركة قد ترشح وجها نسائيا سافرا لرئاسة المجلس التأسيسي في رسالة إلى المرأة التونسية خاصة والمجتمع التونسي عامة أن الحركة "متفتحة" وبعيدة كل البعد عن طروحات الحركات الإسلامية الأخرى التي ترى في المرأة "عورة" مكانها البيت. لكن المحللين السياسيين يشككون في خطاب النهضة ورسائها ويعتبرون أنها تتعاطى مع الواقع التونسي بحذر شديد يرقى إلى درجة الخوف وبدهاء أشد خاصة وأن قيادات الحركة يعرفون جيدا أن حرية المرأة هي عنوان حداثة المجتمع كما يعلمون جيدا أن التيارات الحداثية المتشرذمة ستتوحد في جبهة صلبة إذا ما استهدفت النهضة حقا من حقوق المرأة. ويسود إجماع لدى التونسيين والتونسيات أن قانون الأحوال الشخصية الذي تزامن إصداره مع استقلال تونس عام 1956 والذي يمنع تعدد الزوجات ويمنح المرأة حقوقها الشخصية والعامة هو مكسب وطني وخط أحمر مهما كانت طبيعة الحزب الحاكم. ويضيف المحللون أن النهضة تحاول أن تنأى بنفسها عن "تابوهات الحركات الإسلامية" وفي مقدمتها حرية المرأة، ويرون أن النهضة أمام مجتمع له خصوصياته من أبرزها المشاركة الواسعة للمرأة في الحياة العامة إذ هي تمثل ثلث القوى النشيطة ونصف المدرسين بالجامعات وبالمعاهد الثانوية كما أنها تمثل أكثر من نصف الكادر الصحي وثلث سلك القضاء، وهو ما يحول دون أي محاولة من النهضة للمساس بحقوق المرأة. وتلاحظ حياة الجمني وهي طالبة تدرس تكنولوجيات الاتصال "الخوف من النهضة لا مبرر له، لا لأن النهضة كحركة إسلامية تحترم حقوق وحرية المرأة وإنما لأن المجتمع التونسي تجاوز هذه المسألة، هناك حصن منيع اكتسبته المرأة التونسية تعجز النهضة عن هدمه، الجميع مقتنع أن مشاركة المرأة في الحياة العامة والمساواة في الحقوق والواجبات أمر غير قابل للنقاش". وتضيف الجمني وهي تمسك بيد زميلها وسام بن مبروك "إذا لم تكن النهضة على دراية بأن المجتمع التونسي غير مستعد للتفريط في أي حق من حقوقه وفي مقدمتها حقوق المرأة، فإنها لن تقدر على حكم تونسالجديدة، أما إذا طرحت بعض القضايا التي تجاوزها المجتمع التونسي مثل تعدد الزوجات فإنها تكون قد حكمت على نفسها بالفشل مسبقا". أما سمية المثلوثي وهي طبيبة متحجبة تعمل في مستشفى الرابطة بتونس فإنها تبدو أقل توجسا من حركة النهضة، تقول "أنا محجبة، قد أبدو لكم أني (نهضوية) لكن الواقع غير ذلك لا تربطني بالنهضة أية علاقة، أنا متعاطفة مع النهضة وأعتقد أنها جادة في أن تقدم لتونس شيئا ما يفيد المجتمع بأسره، صحيح أن هناك تخوفات خاصة إذا استفردت النهضة بالحكم، لكني شخصيا أثق في ما قاله الشيخ راشد الغنوشي بخصوص مكاسب المرأة". وتابعت "لا أخفي أن عديد الفئات تتخوف من النهضة خاصة الفئات المتحررة وهو تخوف أتفهمه، لكني لا أعتقد أن النهضة ستقدم على خطوة تمس حرية المرأة". لكن هذا الرأي لا يبدو مقنعا للناشطات في المجتمع المدني والسياسي على حد سواء، تقول ريم بن حسين الناشطة في صلب القطب الحداثي الذي يتزعمه أحمد إبراهيم "النهضة تهدد حرية المرأة، إن مشروع النهضة مشروع رجعي بل ظلامي يريد أن يعيد تونس إلى القرون الوسطى، أنا يسارية وشاركت في الثورة من أجل الحرية لا من أجل أن تحكم تونس حركة النهضة، صحيح أنهم فازوا في الانتخابات وفق صناديق الاقتراع ولكن في الواقع ما حدث هو سطو انتخابي". وأضافت "ما حصل هو سطو انتخابي استغلت فيه حركة النهضة حالة الفقر المدقع الذي تعيشه طبقة البروليتاريا الرثة كما استغلت المساجد لشحن الناس وتعبئتهم من أجل الفوز". وتابعت "إنهم يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون، ونحن، اليسار، نقول لهم إن حرية المرأة خط أحمر، أسقطنا نظام بن علي الذي جثم على صدورنا 23 سنة ونحن قادرون على إسقاط أي نظام يعيد إنتاج منظومة الاستبداد، تيارات اليسار اليوم تعمل على تكوين جبهة ثورية حداثية ستكون شوكة في حلق النهضة".