تحت هذا العنوان أصدر الأديب الكبير الأستاذ أنيس منصور كتابه الشيق (في صالون العقاد).. وأنا لا أتحدث عن هذا الكتاب الممتع الجميل.. ولكني أتحدث عن صالون العقاد الذي تمتعت بجواره بضع سنوات.. والذي كان يديره بعد رحيله ابن أخيه عامر العقاد (عامر أحمد العقاد).. ثم بعد رحيل عامر أدارت الصالون ابنته وحفيدة العقاد عبير العقاد.. وقد تشرفت بزيارتها في الصالون وأهدتني بخط يدها أحد مؤلفات والدها عامر العقاد. أسرة العقاد لها اهتمام خاص بأهل السودان وأبناء السودان وأدباء السودان، ففي هذا البيت عاش الأديب الكبير محجوب عمر باشري- خير من أرخ ووثق لمرحلة مهمة من الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية في السودان في مؤلفاته الزاخرة.. مكملاً ما بدأه الأستاذ الكبير حسن نجيلة (الرائد) في مؤلفاته ملامح من المجتمع السوداني وذكرياتي في البادية، وذكرياتي في دار العروبة، كما احتضنت دار العقاد الأديب العبقري معاوية محمد نور والذي رثاه العقاد بقصيد يمزق نياط القلوب، ذلك الرثاء الذي ألقاه الأستاذ الكبير الشاعر محمود الفضلي في ذكرى معاوية إنابة عن العقاد، تماماً كما أشجى العقاد في الأربعينيات وهو يترنم بأحلى أشعاره في احتفالية نادي الخريجين في أم درمان، الأمر الذي أبكى العقاد العملاق الذي قلّ أن يبكي.. والوطني السياسي المقاتل الجريء الذي قال في قبة البرلمان في مصر.. هذا الملك تحت حذائي، وكان يقصد الملك فؤاد الأول ملك مصر والسودان، والذي كان لا يجرؤ كائاً من كان أن يقول كلمة واحدة في حقه في ذلك الوقت. وقد شهدت دار العقاد وصالونه في 13 شارع شفيق غربال (السلطان سليم الأول) في روكسي، صولات وجولات للشاعر الفذ الشيخ محمد سعيد العباسي (شاعر الصولة والجولة) الذي كانت تهش له مجالس القاهرة ودار العقاد وصالونه على وجه التحديد، والتي قدم فيها أجمل أشعاره إنشاداً، فلم يكن العباسي يلقي شعره إلقاءً كما نفعل نحن الآن، بل يتفنن في إنشاده بصوت شجي رخيم كعادة آبائنا العرب الميامين الأولين الذين كانوا ينشدون روائعهم ومعلقاتهم في عكاظ وذي المجنة والحجاز. وحب أسرة العقاد لأهل السودان نابعة من أصول الأسرة السودانية أو الأصولية التي تعتبر مزيجاً خالصاً وعريقاً يمثل منطقة الحضارة العريقة والعميقة التي وحدت مصر والسودان منذ الأزل، فالسوداني في أسوان يحس بأنه لا يزال في عطبرة أو في بربر أو شندي، والمصري في أسوان يحس أنه قد وصل إلى شمال السودان شعباً وتراثاً وثقافة وقبائل ينحدر أغلبها بأصوله إلى ذلك الجزء العزيز من وادي النيل.. مدينة أسوان التي شهدت ميلاد ونشأة ومرقد رفاة العملاق الفذ الذي يثوى الآن ضريحه في أسوان.