عندما رحل العقاد كنت في منتصف دراستي للقانون في كلية الحقوق.. ثم شاءت الظروف أن أعود مرة أخرى لدراسة الماجستير بالقاهرة وأكون جاراً للعقاد في شقته التي يطل شباكها على شقتي في 13 شارع السلطان سليم الأول (شفيق غربال) بروكسي في مصر الجديدة.. حيث كنت أقيم في 7 شارع السلحدار.. وكان هناك حوش كبير يفصل بين العمارتين خلف فرن دفعة.. يمكِّن الرائي أن يطلع على ما يدور في الشقق والبيوت المجاورة. وبيت العقاد هو أشهر بيوت ذلك الحي قاطبة.. بل هو أشهر من بيت المؤرخ الكبير شفيق غربال الذي سمي على اسمه الشارع بعد الثورة. ü وبيت العقاد كان ملتقىً عامراً لأهل الفكر والثقافة والفن والأدب وله زوار راتبون على مدى عمر وحياة الكاتب الكبير.. منهم أصدقاؤه الذين لا ينقطعون عنه كالفنان الكبير صلاح طاهر، وكرفاق دربه عبدالرحمن شكري وإبراهيم عبدالقادر المازني، وكأجيال الشباب الذين يتعلقون بالعقاد ويتخذونه قدوة كأحمد علي باكثير صاحب (وا إسلاماه) وأنيس منصور صاحب الكتاب الفخم الجميل (في صالون العقاد).. ومن الذين أحبوا العقاد وتتلمذوا على يديه الكاتب الإسلامي الكبير سيد قطب الذي بدأ حياته أديباً ناقداً مبرزاً في الحياة الأدبية.. قبل أن يتجه إلى العمل الإسلامي بكلياته كتابة وجهاداً وتنظيراً وحماسة.. ولكن تبقى صفحة النقد الأدبي والاهتمامات الأدبية للكاتب الأديب باهرة جداً، وقد تجلى ذلك - فيما بعد - في مؤلفاته في ظلال القرآن، ومشاهد القيامة في القرآن الكريم.. والتصور الفني والبلاغي في قصص القرآن، وغير ذلك من الأعمال الكبيرة التي شفَّت عن التمكن الأدبي والفني واللغوي والنقدي لدى سيد قطب. ü أما صلة العقاد بأشقائه من أبناء السودان فهي عميقة واسعة بدءاً بصداقته العميقة مع الشاعر الكبير الفذ محمد سعيد العباسي، الذي كان ينشد شعره بصوته الرخيم في صالون العقاد ومعه صديقه صاحب العزة محمد فريد بك أبو حديد صاحب أنا الشعب ووكيل وزارة التربية والتعليم في مصر والذي قدم ديوان العباسي الأول.. والذي تبعته الدراسة النقدية المؤثرة في كتاب (العباسي شاعر الصولة والجولة) الذي صدر في القاهرة في مطلع الخمسينات ..أما الحديث عن صالون العقاد وعلاقاته الوثيقة بالأديبين الكبيرين معاوية نور ومحجوب عمر باشري وأجواء ذلك الصالون الخالد فهذا أمر يحتاج منا إلى وقفات ووقفات.