واصل الأمريكيون وحكومتهم «الرشيدة» بقيادة الأمريكي «الهجين» باراك أوباما أمس فرحهم الطفولي والغوغائي بالظفر بأسامة بن لادن وقتلهُ غيلةً وغدراً في منزله الكائن بمدينة أبدت اباد. فقد قام أوباما مصحوباً بنائبه جو بايدن بزيارة قاعدة «فورت كامبل» حيث مقر فرقة المارينز البحرية المجوقلة، الفرقة (101)، التي كلفت قوات النخبة بتنفيذ عملية الاغتيال بدم بارد في تلك المدينة القريبة من العاصمة الباكستانية اسلام أباد. الزيارة كانت «للاحتفال بالاغتيال» وتقديم آيات الشكر والامتنان «للعمل البطولي» الذي أنجزته النخبة المحمولة جواً والمزودة بأحدث تقنيات القتل التي انتجها العقل العسكري الأمريكي. بدأ الحديث نائب الرئيس جو بايدن بعد أن قدمه قائد الفرقة (101)، فعبر عن امتنانه العميق لقيام قوات النخبة بانجاز تلك «المهمة التاريخية» ولما أسماه بتضحيات النخبة والفرقة، وتضحيات عائلاتها في الحرب على الإرهاب في جبال أفغانستان، وقال لمستمعيه من العسكريين الذين كانوا في كامل زيهم العسكري: أنتم أفضل وأقدر المقاتلين في العالم الذي لم يشهد أبداً أناساً بمثل قدراتكم ومهاراتكم.. وحاول أن «يخفف دمه» ويؤكد أنه ضحى بشيء عزيز حتى يحضر الاحتفال، فقال إنني أتيت اليكم بعد أن الغيت «عيد ميلاد الجد» الذي يقيمه أحفادي في هذا اليوم الذي هو يوم مولدي، فأبلغ أحد أحفاده أقرانه الآخرين أن جدي لن يحضر هذا الحفل السنوي لأنه ذاهب الى «فورت كامبل» للاحتفال بمقتل بن لادن. وأبلغ الجنود أن الرئيس أوباما اتخذ القرار -قرار الاغتيال- بعد أن تداولنا طويلاً في مجلس الأمن القومي، لأنه يؤمن بكم ويثق فيكم و«أولويته الأولى كانت النيل من أسامة بن لادن» وأن روبرت غيتس «وزير الدفاع» قد قال فور اتخاذ القرار إنه من أجرأ القرارات التي اتخذت في التاريخ الأمريكي، ثم قدم بايدن الجنرال جيفري كول قائد قوات النخبة، الذي لم يزد وهو يخاطب جنوده، على القول: إنني فخور بكم، وأقدم لكم الرئيس أوباما. دخل اوباما القاعة منشرحاً فصافح معظم الواقفين من الجنود والضباط فرداً فرداً، قبل أن يصعد الى المنبر. كان فرحاً ومنتعشاً بشكل واضح وفاضح، يضحك بسبب أو من غير سبب. فتحدث مشيداً «بالأعمال الرائعة» للفرقة المجوقلة (130)، وقال لهم شكراً للقيادة الملهمة التي أظهرتموها هنا في تنظيم هذه القاعدة التي تضم واحدة من اكبر القوات الأمريكية، والشكر كذلك للجنرال «كوب» وللرباعية الموسيقية للفرقة (130)، ثم تحدث مثمناً دور فرقة «النسور الأسطورية» والمجموعة (160) لخدماتها الرائعة والمميزة، ثم عاد للحديث عن لقائه ببعضهم في قاعدة «باغرام» الجوية في أفغانستان، وتوجه بالدعاء من أجل الجنرال كامبل ورفاقه وزوجات العسكريين الذين يعملون في افغانستان. وقال مخاطباً قوات النخبة إنني لم آت الى هنا لالقي خطاباً مطولاً، فقط جئت لأشكركم بالأصالة عن نفسي وإدارتي وبالنيابة عن الأمريكيين، فبفضل عمل أفراد من بينكم فإن «قائد الارهاب» لن يستطيع بعد الآن الحاق الأذى ببلادنا، وأنا لن أنسى من فقدناهم في ذلك اليوم الحالك من أيام سبتمبر (2001)، في إشارة لهجمات القاعدة على مركز التجارة العالمي بنيويورك -الذي أصبح يعرف بقراوند زيرو- ومقر البنتاجون في فرجينيا قرب واشنطن العاصمة، وأضاف لقد قاموا بعمل مجيد. إنهم، مهنيون أمريكيون تطوعوا أن يخدموا بلادهم في ميدان الحرب، تدربوا لسنوات بلا كلل، وعندما أعطيت الأمر كانوا جاهزين، وهذا يشملكم جميعاً في الفرقة (101).. فقد عملتم خلال عشر سنوات، فهزمتم طالبان وأخرجتموها من السلطة وهزمتم التمرد الشرير في العراق، وكنتم في طليعة العائدين الى أفغانستان من العراق، وذلك كان واحداً من أصعب القرارات التي اتخذها، ولكنه كان مهماً وحيوياً برغم المخاطر.. فليس هناك من ضحى أكثر منكم وهذا يستحق الشكر. ثم تحدث أوباما عن الجنود الأمريكيين الذين ينتحرون بفعل الإحباط، دون أن يتوقف كثيراً عن دواعي ودوافع ذلك الإحباط، ليقفز من ثم الى عدد الذين قتلوا ممن ينتمون الى قاعدة فورت كامبل، والذين بلغ عددهم كما قال الى 125. وعن قتل بن لادن، قال أوباما: لقد قطعنا رأس القاعدة وسنهزمها في النهاية، ولكنني لا أريد أن أخدعكم فهذه المعركة ستستمر وستكون معركة صعبة، ومنذ الشهر القادم والشهور التي تليه سنعمل على تخفيض القوات الأمريكية هناك ونقل المسؤوليات الى الجيش والأمن الأفغاني والحكومة الأفغانية. ثم حكى عن قصة فتاة من نيوجيرسي فقدت والدها في المركز التجاري العالمي، وقال إن والدها كان يهاتف أمها التي تبكي وهي -الفتاة- تراقبها وتسألها فناولتها أمها التليفون فقال لها ابوها إنني أحبك وسأكون دائماً في رعايتك. وأضاف أوباما إنه التقى هذه الفتاة واسرتها اخيراً وقال انها برغم المأساة لا تزال ممتلئة بالأمل والحيوية والثقة بالمستقبل. عمدت الى هذا السرد المطول لمشاهد الاحتفال بمقتل بن لادن في قاعدة فورت كامبل، أن أضع القاريء في صورة المدى الذي ذهبت اليه الإدارة الأمريكية في احتفائها الشامت باغتيال رجل أعزل في مخدعه، وهو فعل -كما أشرنا بالأمس- يخالف كل الأعراف والشرائع الأرضية والسماوية، مثلما يفتقر الى مشاعر المروءة والشهامة والاستقامة، ولا أدل على ذلك من الاستنكار لمثل هذا السلوك -المدان ليس من الشعوب العربية والإسلامية وحدها- بل من رجال دين مسيحيين في أوروبا. فقد ندد أسقف كنتربري ببريطانيا باغتيال الغافل، وقال إن قتل شخص غير مسلح خارج الأطر القانونية وميادين القتال عمل غير مقبول، كما أثار إعلان المستشارة الألمانية انجيلا ميركل عن سرورها لمقتل زعيم القاعدة استياء مسؤولين بارزين في الكنيستين الكاثوليكية والبروتسنانتية، وفي صفوف حزبها المسيحي الديموقراطي، وفي أوساط سياسية وقانونية في المانيا. فقالت رئيسة البرلمان الألماني عن «حزب الخضر» كاثرين ايكرت إنها لا تستطيع كمسيحية أن تفرح لقتل إنسان عمداً، وأن هناك فرقاً بين التعبير المقبول لعدم الارتياح لأعمال بن لادن الإرهابية والإعلان المرفوض عن الفرح بموته. واعتبر البروفيسور البرت باسينجر عميد الكلية الكاثوليكية بجامعة توبينغين الألمانية أن الحق في الحياة مكفول لكل البشر بما فيهم بن لادن وغيره، وأن قتل إنسان -غيلةً- لا ينبغي أن يكون سبباً لسعادة المسيحيين. إذن، نحن بازاء سعادة مفتعلة إن لم تكن سطحية وجاهلة يبديها أوباما وإدارته، انتشاء بمقتل بن لادن، الذي ساهم كما تقول استطلاعات الرأي بارتفاع شعبيته (60) نقاط إضافية، بعد أن أصابها التدهور المريع، ولكن من أدرى اوباما أن قتل بن لادن سيكون هو نهاية المطاف في سباقه الرئاسي. صحيح أن القاعدة قد تكون «ماتت سريرياً» بفعل ثورات «الربيع العربي» فاسلوب حلها لم يعد يلائم المرحلة -كما قلنا بالأمس- لكن هذا لا يعني أن أعوانه قد ماتوا جميعاً وأنهم لن يلجأوا لتكبيد أوباما وإدارته خسائر مدوية تسهم في تدهور شعبيته مرة أخرى، على الأقل كرد فعل فوري لمقتل الزعيم.