قصة بل مأساة تقطع نياط القلب، تلك التي بثت بعض فصولها قناة «الحرة» ليلة الأحد ضمن برامجها الإخبارية، ما اضطرني إلى السباحة في المواقع الاسفيرية، لمتابعة تفاصيل الحدث الذي وقع في ولاية ميتشغان الأمريكية، والتي قادت إلى تغيير قوانين الأحوال الشخصية بعد نجاح «عائلة رحاب» في الانتصار على «حمرنة» وغباء تلك القوانين. فقد وقعت ولاية ميتشغان قانوناً جديداً أطلقت عليه اسم «قانون عامر»، يلزم القانون قسم الرعاية الاجتماعية بالولاية بنقل حضانة الأطفال الذين يتعرضون لانتهاكات إلى الأقارب. القانون تم سنه على خلفية المأساة التي تعرضت لها أسرة السيدة المسلمة رحاب، التي فقدت طفليها «محمد 3 سنوات وسهير سنة واحدة» منذ عام 1985، بعد اتهام الأم رحاب عامر بالإهمال الذي أدى إلى مقتل طفلها «سمير» ذي العامين، جراء جروح اُصيب بها عقب سقوطه في حوض الحمام. لكن المحكمة قضت حينها بأن ما حدث هو جريمة قتل، واتهمت الأم بالإهمال. وأثر ذلك قرر قسم الخدمات الاجتماعية والإنسانية بالولاية نقل حضانة الطفلين محمد وسهير إلى أسرة أخرى لرعايتهما، أسرة ستامبر. وعلى مدى عام كامل حارب الوالدان -أحمد ورحاب عامر- لإعادة الطفلين إلى حضانتهما، ورغم أن المحكمة قررت الإفراج عن الأم، الحامل في ذلك الوقت، لعدم كفاية الأدلة على القتل، رفضت الوكالة المعنية -وكالة الأسرة المستقلة- وحكومة الولاية إعادة الطفلين لوالديهما، بل الأفظع من ذلك أنها أخذت المولود الثالث «زينب» فور وضعها من مستشفى الولادة، فصرخت رحاب لحظتها «لا تأخذوا مني ضنايا» وكل ما فعلته هو أن أخذت زينب في حضنها -كما روت- وهمست في أذنها باسمها الحقيقي «أنت زينب» وقالت لها كذلك «ماما لن تتخلى عنك»، ولجأت تدعو الله أن يُصبِّرها ويقويها حتى يعود لها أطفالها. وتروي رحاب باكية أنه حتى عندما تقدم أخوها بالتماس لرعاية الأطفال، رفضت الولاية السماح له بذلك، رغم أنه حصل على حق رعاية أطفال آخرين من قبل، وأضافت: لقد وضع أطفالي في رعاية «أسرة مسيحية متطرفة» منحت أطفالي أسماء مسيحية، ونشأ أطفالي متحيزين ضد المسلمين والإسلام، ولهذا السبب رفض قسم الرعاية الاجتماعية إعادة الطفلين أو منح الرعاية لأخي. وتحكي رحاب أيضاً: لقد انفصل أولادي عن ميراثهم الحقيقي، إنهم لم يعودوا يتقبلون جذورهم الإسلامية، ولا يجيبون عن سؤال من أين أتوا!! وليت الأمر انتهى بالنسبة لرحاب عند هذا الحد، بل من النتائج المحزنة والأكثر إيلاماً هو ما سمعته أسرة عامر من أولادها عندما اتصلت بهم في العام 2001، فمن خلال ذلك الاتصال اكتشفت العائلة أن الأولاد يعتقدون أن أمهم هي من قتل أخاهم الصغير، فقط الابن الأكبر (محمد) الذي أصبح اسمه(آدم) هو من يعتقد أن أمه بريئة، وزارها حين بلغ عمره 18 عاماً، ومن بعد هذه الزيارة قررت الأم ان تُبرئ نفسها تماماً من تهمة القتل. وبحلول عام 2003 نجحت رحاب في الحصول على قرار بإعادة نبش جثة الطفل(سمير)، حيث أعلن طبيب سويدي متخصص في هشاشة العظام خلال مؤتمر صحفي في «ديترويت» أن الطفل سمير مصاب بنوع نادر من هشاشة العظام، تسبب في تلك الجروح التي أدت للوفاة. وكانت رحاب قد اصطحبت طفلها من قبل إلى المستشفى عدة مرات تشكو من أنه يصرخ بمجرد ملامسة جسده، الأمر الذي اكتشفه الطبيب السويدي بعد فوات الأوان ووقوع الكارثة. عقب ظهور الأدلة الجديدة توجهت عائلة عامر إلى المحكمة التي أعادت النظر في الحكم وقضت أن موت الطفل كان نتيجة سقوط غير مقصود -قضاءً وقدراً- وأن الأم رحاب بريئة، براءة الذئب من دم يوسف، فحاولت الأسرة إعادة علاقتها بأطفالها، حتى أن الابن الأكبر (محمد) سجل على صفحته في «الفيس بوك» اسم أمه (رحاب عامر) لكن الأمر لم يتعد مرحلة التواصل الاليكتروني «مع صديق»، وعندما أرسلت له والدته القانون الجديد كتب محمد تعليقاً مثل أي شخص محايد (I like IT)،لكن الابنتين سهير وزينب، واصلتا رفض الحديث إلى اُمهما، بعد أن أصبحتا «سوزان» و«زيني» ستامبر. القصة لم تنته هنا، ففي عام 2006 بدأت أسرة عامر السعي مجدداً في المحاكم والدوائر التشريعية من أجل إصدار قانون يلزم الولاية بنقل رعاية الأطفال إلى أقاربهم، وبالفعل نجحت بحلول عام 2010 في حمل الولاية على إصدار القانون الذي أصبح يحمل اسم الأسرة. حيث وقعت حاكمة الولاية جينيفر جرانهولم على القانون في 14 سبتمبر الماضي «قانون عامر» الذي يلزم «قسم الخدمات الإنسانية» بالولاية بنقل حضانة الأطفال الذين يعانون انتهاكات إلى الأقارب أولاً، فإن لم يكن لهم أقارب يمكن نقلهم إلى أسرة أخرى، مع مراعاة البيئة الأصلية التي نشأ فيها الأطفال. أما رحاب التي كرمتها الولاية وجامعة ميتشغان أمس الأول بوصفها أماً مثالية ومظلومة، فقد قالت: لقد سقط أطفالنا ضحية، ولا يمكن أن ندع أطفال الأسر الأخرى يقعون ضحية قسم الرعاية بالولاية. جميلٌ أن تهتم الدولة أو الحكومة -أيّة دولة أو حكومة- برعاية الأطفال وحمايتهم من كل أشكال العنف، حتى لو صدر من أفراد العائلة، لكن الحس العام السليم يقول إن أيّة عائلة طبيعية ومستقرة هي الأجدر من الدولة والحكومة برعاية أطفالها والاهتمام بتنشئتهم وتربيتهم باعتبارهم امتدادها الطبيعي، وإن الافتراض بأن الدولة أكثر حرصاً على الأطفال من ذويهم هو افتراضٌ لا يخلو من مبالغة وشطط وفجور، اللهم إلا في حالات الأسر المفككة أو المتنازعة أو تلك المصاب بعض أعضائها بالجنون. فالمثل السوداني السائر يقول «أحنَّ من الوالد فاجر»، وقد تبدى هذا الفجور في اختيار قسم الرعاية الاجتماعية بولاية ميتشغان لأسرة مسيحية ترعى أطفال أسرة عامر، أسرة «متطرفة» كما وصفتها الأم رحاب، فبدلت دين الأطفال وأطلقت عليهم أسماء مخالفة لثقافتهم الأصلية، فتحول الأمر من «نية الرعاية» المعلنة إلى «جريمة اختطاف» أفقدت أسرة عامر أطفالها إلى الأبد، وتلك قمة الماسأة.