الأخ/ مصطفى أبو العزائم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مقرونة بأطيب التحيات لك ول(آخر لحظة) بالتقدم والإزدهار عقب مقالتك العظيمة في إطار الواقع السياسي الراهن، واستشراف المستقبل حول توجيه البوصلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية شمالاً في إطار العلاقة بين وادي النيل، والتي حركت ساكناً شعبياً وسياسياً وحكومياً هادراً في هذه العلاقة. ولا أريد أن أتحدث عما يربط مصر والسودان وعن أزلية العلاقة، وبعدها التاريخي والجغرافي والاقتصادي، فهو ثابت ومتفرد وباقٍ على مر الأزمان، وتعاقب القيادات والزعماء وما تعززه من آثار إيجابية وسلبية تتأرجح فيها العلاقة قوة وضعفاً، سلامة وتعثر واتفاقاً وخلافاً، وذلك ولكنها في النهاية مصرية سودانية. رأيت أن أدلي بدلوي إذ تهيأت لي الفرصة أن أكون أول وزير لشؤون مصر بالسودان في أعقاب توقيع اتفاق منهاج العمل السياسي والتكامل الاقتصادي عام 1974م، وقد لقي التكامل اهتماماً بالغاً من الرئيسين الراحلين نميري والسادات، وفي ذلك العهد تم الاتفاق على أن تنشأ مؤسسة ترعى هذا الاتفاق وقد تم على ما أذكر الآتي: 1 /كتاب عن آفاق التكامل وأهدافه وآلياته وقد أجيز في اجتماع القيادات الرفيعة من كلا البلدين. 2/ أنشئت الأمانة العامة لشؤون مصر بالسودان وشؤون السودان بمصر لتقوم بالمتابعة والتقييم والتقويم، برئاسة وزير يتم كل ستة أشهر مرة بالخرطوم وأخرى بالقاهرة، على أن يتم اجتماع رئاسي مرة في السنة، يرفع تقريراً للرئيسين، والفضل يرجع للأخوة حيدر كبسور وزير الخدمة العامة والاصلاح الإداري، والأخ الزميل ميرغني حمد- العالم في مجال الإدارة. 3/ كونت ثماني لجان أذكر منها إن لم تخن الذاكرة. أ/لجنة التجارة والاقتصاد ب/لجنة الصناعة ت/لجنة الزراعة والري ث/لجنة التعليم ج/لجنة الشؤون الدينية والأوقاف ح/لجنة الطرق خ/لجنة الثقافة هذه اللجان موجودة بدار الوثائق القومية، ووكالة السودان للأنباء، ويمكن الرجوع اليها، وفي ذلك الوقت تمت بعض الانجازات متمثلة في: 1/ في مجال التعليم كاد التعليم الجامعي أن يكون مسؤولية مصرية، فقد فتحت الجامعات المصرية أبوابها على مصاريعها للمنحة السودانية وكذلك جامعة القاهرة فرع الخرطوم التي خرجت آلاف، ولابد من الاشادة بالدكتور الراحل طلبه عويضة إذ إن جامعة الزقازيق كان ثلثها من السودانيين، وكان عدد الطلاب السودانيين في الجامعات المصرية والمعاهد المختلفة والدراسات فوق الجامعية، يفوق الأربعين ألفاً، بجانب فرص خاصة للاخوة من جنوب السودان. 2/ في مجال الزراعة وتوفير الآمن الغذائي قامت الشركة في النيل الأزرق بمنطقة كرمة. 3/ كان التحرك بين البلدين يتم ببطاقة وادي النيل، مما سهل التحرك بين البلدين بدون جوازات. 4/كان برلمان وادي النيل يجتمع سنوياً لمناقشة مسار التكامل وأذكر أن المناضل الراحل الدكتور أحمد السيد حمد هتف محيياً وادي النيل كما كان يهتف في شبابه وهو طالب بكلية الحقوق. 5/ تم توقيع اتفاقية الدفاع المشترك لحماية الأمن السوداني والمصري وليس حماية للنظام. 6/ تم التوافق بين اتحاد المزارعين والعمال والشباب والنساء والطلاب. أخي مصطفى: 7/ شاركت القوات السودانية في حروب الاستنزاف. 8/ فتحت الكليات العسكرية والشرطية للدراسات العليا وأخال أن عدداً قد استفاد من البعثات. 9/ اتفاقية قناة جونقلي برئاسة السيد يحيى عبد المجيد. هذا ما اسعفتني به الذاكرة في السودان، وقد تعاقب عدد من الأنظمة والقادة، وقد تفاوتت المواقف في يعض الأحيان.. قوة وضعفاً اتفاقاً أو اختلافاً، بعداً وقرباً، حرارة وبرودة، ولكن بمعنى الحقيقة.. السودان لمصر، ومصر للسودان في إطار العلاقة الأزلية والمصالح المشتركة. في تلك الفترات توافرت دراسات كثيرة قام بها العلماء من كلا البلدين، في كل مجالات التعاون، وهي موجودة متوفرة ويلزم الاستفادة منها في هذه المرحلة- فما كان إيجابياً استفدنا منه/ وما كان سلباً أبعدناه. أخي مصطفى أتابع باهتمام بالغ كغيري من السودانيين والمصريين الحراك المتواتر والزخم المتعاظم عن العلاقة الحميمة بين شقي وادي النيل، وهو تحرك منشود ومحمود ولا نريد له أن يتوقف عند زيارات الرؤساء وتصريحات الوزراء ومجاملات السفراء، نريد له أن يكون حركة شعبية تجتمع فيها إرادة الشعوب ورؤاها وتطلعاتها وأمانيها، وأن تشمل كل قطاعات المجتمع رسمية وسياسية وحزبية على اختلافها ومنظمات المجتمع المدني، حتى تكون هذه العلاقة الحميمة في كل عقل وكل بيت حتى يشعر كل مواطن أنه قد شارك في وضع أسسها وإرساء ثوابتها وتفعيل آلياتها، وذلك بالدراسة العميقة والمتأنية قناعة لا تتبدل ولا تتحول ضماناً لاستمرارها واستقرارها، وفي رأي أن ينشأ جهاز شعبي يضم كل هذه الفعاليات لتراعي هذا التوجيه الايجابي من شباب مؤمن ومقدر، ضماناً من أية نكسات وإزالة لكل العقبات في فترات سابقة. مقدم معاش أول وزير لشؤون مصر بالسودان