أصبحت أسأل نفسي كثيراً سؤالاً مهماً جداً وأفكر فيه باستمرار.. لماذا تحظى المسلسلات التركية بهذه المشاهدة العالية على نطاق الوطن العربي وليس السودان فقط..؟ وتجبر الجمهور على متابعة حلقاتها بانتظام وبشغف كبير.. فهل يرجع ذلك لعمق فكرتها ومعايشتها لهموم وقضايا وأوجاع الشارع العربي؟.. أم أن التقنيات الحديثة التي تنتج بها هذه الأعمال، والمناطق الجميلة التي يتم التصوير فيها هي وراء ذلك؟.. وبعد طول متابعة متأنية لم أجد ما يشفع لمشاهدتها بهذه الكثافة العالية، لأنها خاوية المضمون، ولا تمتلك أية رسالة إيجابية يمكن أن يستفاد منها، واتضح لي جلياً أن أضرارها كبيرة، وأصبحت تنعكس بصورة سلبية على الأسر العربية، من خلال الاحصائيات المهولة والمزعجة التي طفحت على سطح المجتمع العربي مؤخراً، بارتفاع نسبة قضايا الغدر وحوادث الخيانة الزوجية في عدد من الدول وأكد عدد من علماء الاجتماع أن المسلسل التركي الأخير (العشق الممنوع) أثر بصورة كبيرة في زيادة نسبة قضايا الخيانة الزوجية التي نجدها الآن في ساحات المحاكم، وباتت أجهزة الاتصال والتقنيات الحديثة تستخدم لاثبات الاتهام من قبل الزوج أو الزوجة بصفتها قرائن قوية لاثبات الاتهام، مثل الهواتف النقالة والانترنت.. واتضح أن الزوجات صغيرات السن هن أكثر المتأثرات بهذه المسلسلات، ومتابعة الأزواج لهذه المسلسلات بهذا الشغف ولد لديهم نوعاً من الشك في زوجاتهم، وهذا يمثل خطراً كبيراً على استمرارية الحياة الزوجية، التي تنضوي تحت لواء الإخلاص والثقة المتبادلة بين الزوجين. فكيف نخرج من نفق المسلسلات التركية المظلم حتى نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا وديننا الحنيف، فأنا لست متطرفاً حتى أقول هذا الكلام، ولكن كما قلت سابقاً إن هذه المسلسلات عديمة الفكر والرسالة، فهي من وجهة نظري عبارة عن أغنيات مصورة ليس إلا- (فيديو كليب)- تنحصر في استجلاب وجوه جميلة من الجنسين ويتم تصويرها في مناطق خلابة ليس إلا، ولا أعرف لماذا تذكرت أغنية الصديق الحبيب (تربيع) الفنان أحمد قرقوري (مهند ونور) والتي يقول فيها: لو قايلة ريدتنا زي مهند ونور تبقي عيانة وشوفي ليك دكتور نعم ياصديقي قرقوري كل فتاة سودانية تقلد وتتأثر بالمسلسلات التركية الوهمية، عليها مراجعة الأطباء فوراً حتى تخرج من دائرة هذا المرض الخطير، الذي يهدم كل ما هو جميل، فنحن بحاجة ماسة لمثل الثورات التي عمت العديد من أقطار الوطن العربي، ولكنها ليست ثورات إطاحة بالأنظمة السياسية أو الحكومات وإنما ثورات مبادئ وأخلاق حتى نخرج من هذا الوحل والاستلاب الثقافي.