المفاجآت ودوافع الدهشة كانت طابع الإحتفال باليوم العالمى للإتصالات الذى شهدته الخرطوم الثلاثاء الماضى..إنك مدعو لكنك تداهمك الوحشة والدهشة لكونك بين أفراد(قبيلة) من نوع آخر، حتى لو أجلسوك مجاوراً لأهل الدار كما فعل معي المهندس محمد عبد الماجد وكيل الوزارة المنظمة مع اثنتين من روافدها الذكية، الهيئة القومية للإتصالات والمركز القومى للمعلومات، يحتضنها الثلاثة معاً هذا البرج الشامخ على خاصرة النيل جوار كبرى المنشية، وتحت تأثير هذه الوحشة لاتكاد تميز بين ما هو سار وما ينذر بكارثة، وما هو مستفز لك وأنت تستمع لدهاقنة ثورة الإتصالات، يستعرضون عضلاتهم أقصد أوراقهم وطلاسمها بينما هم سودانيون مثلك وليسوا خواجات. انشغلت بخواطري فتذكرت كيف بدأت تكنولوجيا الإتصال تتغلغل فى حياتنا، كالظاهرة الكونية لتأسر الناس فى بضع سنين، بخدمات عديدة وتعدهم بما هو أكثر عجباً، ومن ذلك أن تشاهد من تحادثه، وأن تظهر عالمياً كصاحب رأى يمكن أن يغير الكون إلى أفضل عبر «الفيس بوك» وما خفي أفظع- كما قلت فى مقال سابق- هذا الملتقى فجر ما استوقفني مع أني متصل بالمراجع بحكم ارتباطي بالإعلام وبالتدريس فى كليات التقانة والوسائط، فتعجبت. يبدو أننى لست وحدي من يتعرض لهذا الإستغراب الإتصالي مع أني كنت ضمن من قبلوا التحدي دون استحياء من أقاويل (تعليم الكبار)، فالإنسان عدو لما يجهل، وهذا الحياء جعل البعض لا يعلم من مزايا الجوال سوى أنه (تلفون)، وهناك من لا يحتملون رؤية الحاسوب ناهيك عن الجلوس إليه للساعات الطوال كما يفعل البعض وبدرجة الإدمان. أكثر المفارقات إستفزازاً أن ينظر البعض منا لأجهزة الحاسوب المرصوصة فى المكاتب على أنها آلات للطباعة لا أكثر!!. ومن المفارقات المحزنة ما كشف عنه أحد المتحدثين فقال إن بين 14 ألف موظف فى ولاية ذكرها بالاسم، وأنا لا أريد أن أشهر بها، ألفان فقط يتعاملون مع التكنولوجيا! . أول المعقبين (بروفيسور عوض حاج علي)، انتقد استخدام تقانة الإتصال فى المناطق النائية وداخل القطاطي كما تطلعت إحدى الأوراق، وكان من رأيه أن الأجدى من ذلك أن نتبنى تعيين شيوخ للخلاوى فى تلك القرى، يعلمون الناس القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم فهذا أسرع وأقل تكلفة. وحسب تكلفة الخلوة و(حاسوب القطية) ليدعم رأيه، قلت لنفسي أليس بالإمكان الجمع بين الأمرين؟ . فكرة أخرى تعرضت للنقد هي أن نوظف الأموال والتكنولوجيا لمحو الأمية التقنية، بينما الأمية الأبجدية مسيطرة!. قلت أيضاً: كلاهما مهم. وسأل سائل: ماهي الأولويات الأمية، الحاسوبية أم القراءة والكتابة؟ متسائل آخر مشفق على الأرباح تعجب(ليه الشركة تمشي تخت ليها خدمة فى منطقة نائية عشان تخسر)؟! وكان مدير الهيئة القومية للإتصالات الدكتور عز الدين كامل قد حفز الجلسة لهذا النقاش، فأعلن بأريحية أنهم قبلوا التحدي الذي يواجه مؤسسات الإتصالات فى البلاد، وهو(تطوير المحتوى) لإحداث تطور هائل للجوال، لنصل الى أنموذج (الهاتف الذكي) الذي يقوم بعدة أدوار منتجة لصالح الجمهور والتنمية معاً وبتكلفة يستطيع أن يتحملها المواطن. الوزير الدكتور يحيى عبدالله محمد افتتح الإحتفالية بكلمة محسوبة توجهت نحو حياة أفضل للمجتمعات الريفية بفضل تقانة الإتصال والمعلومات، بما يستجيب لأهداف الألفية الإنمائية، ورفع مستوى التطبيقات فى الريف، وتوزيع الحاسوب للعاملين، وتشجيع المبادرات، وتحريك المسؤولية الإجتماعية للشركات، وانتهى لرسالة مهمة (تطوير المحتوى الرقمي حتى لا تندثر قيمنا وتراثنا)، ضمن توجهات كلية لدعم البحوث وتحريك المسؤولية الاجتماعية للشركات، وهواتف بتكلفة زهيدة وإضافة التعليم للمحتوى الإلكتروني، وتبني المرجعية المحلية، وإنشاء صناديق لدعم الخدمات، والوصول لنظام إتصالي هجين( حكومي وخاص) . مفارقة أخرى، إعلانات شركات الإتصالات أقوى من إعلامها، فهل من صيغة لتطوير العلاقة مع الصحفيين والإعلاميين فى شراكة ذكية لدمج الرسالتين الإعلام والإتصال بل لردم الفجوة (الرقمية) بين الوضع الوظيفي لهؤلاء وأولئك؟ إن خبرالاحتفالية جاء بعنوان واحد (الإتصالات تتعهد بتخفيض التكلفة) وهذا ما يهم الجمهور-(القارىء) -من وجهة نظر الصحف، وقد رشحت بانتقادات لبعض الشركات بينما لفتت هذه الندوة المبتكرة الأنظار لمزايا جديدة لجمهور بعيد مغلوب على أمره وأكثر حاجة للتواصل، الأوراق انحازت لدور التكنولوجيا الريفية والتعليم الإلكتروني للرحل والخدمات الإسعافية فى مناطق النزاعات. خارج القاعة وكعادة المؤتمرات نشطت المعارض واللقاءات الجانبية وليست أقل شأناً، خبير الاتصالات المهندس عوض الكريم وداعة مر أمامي بكل إيحاءات وفضائل (تواصل الأجيال)، ثم داهمنا الوزير ببشاشة طاغية كأنه يعرفنا من قبل، وبادرت رداً للتحية بتمليكه معلومة إعترف بأنها جديدة بالنسبة له، وهي أن جليسي هذا هو أحد رواد الإتصال ومشاهير البريد والبرق والهاتف، المبدع صلاح مصطفى، وكان مدار حديثنا «الماضى والحاضر» و «البحر القديم» والشاعر مصطفى سند عليه رحمة الله، وتلفت لعلي أرى شاعر البريد الوفي محمد يوسف موسى ينشد إحدى شوارده، حتى لا يقال إن التكنولوجيا تفعل كل شيء، ولكنها بلا مشاعر، لهم جميعاً التحية فهم أولى بالتكريم فى هذه الفعاليات والأبراج.«برج الإتصالات» أكبر المفاجآت وأبهجها لمن يدخله لأول مرة، والشيخ الشعراوي كان يهديء من روع من بهرتهم مثل هذه المفاجآت العمرانية، فقال لهم( هذا ما خلق الخلق للخلق، فكيف بما خلق الخالق للخلق) وسبحان الله، اللهم حسن أعمالنا.