يعتبر الإعلام محوراً من محاور الثقافة بين الأفراد، ويلعب حالياً بعد التطور في وسائل الاتصال دوراً كبيراً في حياة الناس، والثقافة بصفة عامة تعني الإلمام بمختلف المعارف، ووسائلها كثيرة، فقد يتم ذلك عن طريق التعليم الدراسي، وقد يكون عن طريق وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ولكن يمكننا القول بصورة مبدئية أن الثقافة العامة ليست حكراً على طبقة المتعلمين أي من يعرفون القراءة والكتابة.. ولكن من الممكن أن نصادف أحد الأشخاص غير المتعلمين.. ومع ذلك لديه ثقافة عامة قد استفادها من وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة والعكس صحيح، حيث نجد بعض المتعلمين ولكن ليس لديهم القدر الأدنى من الثقافة العامة... ولكن بصفة عامة يمكننا القول إن التعليم يساعد بلا شك على الإلمام بالثقافة. وقد ثار التساؤل منذ القدم عن دور الثقافة بمحوريها التعليم ووسائل الإعلام المختلفة، في وجود أو عدم وجود الظاهرة الإجرامية، بل ونوعية هذه الظاهرة ومعدلاتها كماً وكيفاً، فالصحافة بما تتضمنه من صحف ومجلات والسينما والتلفزيون والمسرح، أصبحت من أهم الوسائل التي تنقل المعارف وتؤدي إلى كسب المزيد من الثقافة لكل من يتصل بها، سواء كان متعلماً أو أمياً.. وهذه الأجهزة هي التي تتولى تثقيف هذا الجيل في عصرنا هذا، ومده بمختلف وسائل المعارف، ويتأثر بها كل من يتصلون بهذه الوسائل من الصغار والكبار، ودورها بلا شك مفيد جداً إذا أحسن توجيهها، ومدمراً إذا أسيء استخدامها، وقد ظهرت أخيراً وسيلة جديدة من وسائل الثقافة والإعلام بناء على ثورة الاتصالات الجديدة وهو ما يعرف بالانترنت، وقد أسهمت بدور معين في ظهور أنواع جديدة من الجرائم بدلاً عن استغلالها في الثقافة. لقد كان للصحافة وبما تحويه من صحف ومجلات دور كبير في ثقافة أفراد المجتمع، وخاصة بالنسبة لطبقة المتعلمين وانصاف المتعلمين، فلا يخلو منزل حالياً من وجود صحيفة يومية أو أكثر أو مجلة اسبوعية، يهتم أفراد الأسرة بقراءتها ومتابعة ما فيها من أخبار محلية ودولية، وخاصة أن الصحف تتضمن فعلاً قدراً كبيراً من التحقيقات والموضوعات التي تسترعي اهتمام الناس. إن الصحافة إن كانت عاملاً في ارتكاب بعض الجرائم إلا أنها ليس كذلك في جميع الأحوال، لأن هناك كثيراً من المجرمين الأميين والذين لا يقرأون أية صحيفة، ومع ذلك ارتكبوا الكثير من الجرائم وغيرهم كُثر لم يكن للصحافة أي دور في جرائمهم.. لذلك لابد وأن يكون للصحافة دور اجتماعي أساسي في مقاومة الظاهرة الإجرامية، وانتشار الجرائم داخل المجتمع.. فيجب الاختصار في وصف الجرائم وارتكابها وشرح مساوئ تلك الأفعال، وما سيترتب عليها من عقاب شديد حتى يتنيه أفراد المجتمع لضرر ما ارتكب ولا تشجعهم على إتيان مثله، وعدم التطرق إلى الأخطاء التي ارتكبها المتهم وأدت إلى القبض عليه. ولكي تكون السينما وسيلة لمقاومة الإجرام وليست دافعاً له، يتعين عليها أن تبتعد عن أفلام العنف والجنس والجريمة وألا تصور المجرمين على أنهم أبطال، وضعف رجال الشرطة والعدالة مقاومتهم. ويجب أن تقدم أفلام الجريمة على أنها شر محض ولا تبرز أي دور بطولي للمجني، بل وتؤكد خطورة ما يفعل وما سيعود عليه من جزءا عادل.. وبالتالي نفرق ما بين العمل غير المشروع والعمل البطولي، حتى نعمق الأفكار النبيلة ونلقنها لأفراد المجتمع. وبخصوص الإذاعة والتلفزيون يمكننا القول إن دور الإذاعة قد تضاءل كثيراً بجانب التلفزيون الذي أصبح سيد السياحة في مجال الإعلام، وأصبح من النادر أن نرى منزلاً بدون جهاز أو أكثر لأستقبال الإذاعة المرئية، بل وأصبحت في السنوات الأخيرة القنوات الفضائية هي الغالبة في جميع المنازل، عن طريق أطباق الاستقبال الفضائية.. وهذا الأمر زاد كثيراً من صعوبة مراقبة البرام ج التي يستقبلها أفراد المجتمع.. فإن هذا ممكن عن طريق الرقابة المحلية للتلفزيون المحلي، لكن يستحيل ذلك بالنسبة لعشرات من القنوات الفضائية الأجنبية والعربية، بما تتضمنه من برامج قد تكون مخلة طبقاً لقيم وتقاليد مجتمع معين.. ولذلك يمكن القول إن التلفزيون يمثل في الوقت الحاضر العنصر الرئيسي للإعلام داخل المجتمع، وإن أسيء توجيهه ترتبت على ذلك أضرار بالغة على جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. ويمكن أن تشير في ذلك إلى بعض الأمور الخطيرة التي ينتجها التلفزيون، وتؤثر بلاشك في السلوك العام داخل المجتمع. يحتاج أفراد المجتمع دوماً إلى مثل أعلى يقتدون به ويميلون إلى تقليد حياته ومشواره في الحياة.. وتتولى وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون تقديم هذا المثل، وذلك بتقديم الشخصيات الناجحة والتي ثابرت وجاهدت وعملت بجد واجتهاد بشرف حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. الإعلان التلفزيوني من أهم الوسائل الحالية لترويج السلع والخدمات داخل المجتمع، وأصبح له دور أساسي في الحياة الاقتصادية، ولكن في كثير من الأحيان يقدم هذا الإعلان بصورة تدعو إلى الفساد، وما يترتب عليه من جرائم، ولشد انتباه أفراد المجتمع فلابد من تقديمه بصورة مختلطة بايماءات جنسية معينة سواء عن طريق ما يسمى بفتيات الإعلان اللواتي يجب أن يكن على قدر من الجمال والخلاعة.. إلى جانب موضوع الإعلان نفسه. وإذا ما انتقلنا إلى الانترنت نجد أن الغالبية العظمى من الناس في الوقت الحاضر لهم صلة بشبكة الانترنت حيث يشترك فيها عدد كبير جداً من أفراد المجتمع للتزود بالمعلومات المهمة للتكوين الثقافي بصفة عامة، والعلمي بصفة خاصة.. بل أن مجالات عديدة فتحها هذا الاتصال العلمي مثل التسويق والاتصالات والإعلانات والتعاقدات وغيرها. والمجال هنا ليس لعرض أهمية هذه الشبكة المعلوماتية ووسائلها وتاريخها، ولكن للقول فقط بإنها أصبحت حقيقة واقعية في عصرنا الحالي ووسيلة اتصال للحصول على معلومات لجميع أنواع المعرفة، بل وأصبح للأفراد موقع في هذه الشبكة، يتلقون عليها المراسلات والحوار الممكن بل أن التقنية الحديثة جعلت إمكانية التخاطب والظهور مباشرة على شاشة جهاز الكمبيوتر عن طريق آلة تصوير توضع على الجهاز لتنقل صورة المتحدث للطرف الآخر.. وكذلك صورة الأخير على شاشة المتحدث. وهذه الصورة العالية التقنية والتي أصبحت سمة العصر ونتاج تطوره وازدهاره، والتي ساعدت كثيراً كوسيلة اتصال ثقافي وتجاري كبير، لم تسلم من العبث ووظفت للأسف الشديد في جانب البعض في أعمال غير أخلاقية بل وإجرامية أحياناً. فمن الناحية غير الأخلاقية فقد تدخلت شركات وشبكات تعرض أفعالاً منافية للأخلاق عن طريق أفلام الجنس والعرى مجاناً أو بمقابل، حيث تمكنت من جذب أفراد المجتمعات من جميع أنحاء العالم كمشتركين يسددون اشتراكات شهرية أو سنوية لهذه الخدمة الإعلامية، بل ويعرضون مختلف الأفلام الجنسية ولكل منها اشتراك لمشاهدتها.. ولا يخفى أثر هذه الأفلام على الشباب بصفة عامة، ومايترتب عليها من نتائج على سلوكهم حيال المجتمع الذي يعيشون فيه.. والأمر الآن لم يعد تحت السيطرة كما يحدث بالنسبة لما يعرض في السينما أو المسرح، حيث دخلت هذه الأفلام المنازل والحجرات، والتي يصعب حتى وعلى ولي الأمر امكانية مراقبة أبنائه على مدار الساعة فيما يشاهدون، كما يصعب على السلطات العامة التدخل فيما يتعلق بشبكة الانترنت وما يبث عن طريقها. أما من الناحية الإجرامية فكل يوم تطالعنا الصحف عن صور جديدة من الجرائم ارتكبت عن طريق الانترنت، فمن ناحية يتمكن بعض الأشقياء من وضع صورة سيدة أو فتاة لتهديدها على الشبكة مع اجراء نوع من المونتاج، ليظهرها أنها عارية، تماماً مما يمثل انتهاكاً لخصوصية هذه السيدة وارتكاب أفعال، مما تشكل الفعل الفاضح العلني، كذلك هناك كثير من العلاقات غير الشرعية تكونت عن طريق الاتصال بمواقع أصحابها على شبكة الانترنت، وترتب على ذلك مآسي أخلاقية بل وجرائم، حيث استعاض الشباب عن اللقاءات الخارجية بالمقابلة على شبكة الانترنت في أي وقت من الليل، ودون أدنى خشية من الخروج ليلاً وبعيداً عن رقابة الوالدين.. وأخيراً فإنه على الرغم من فوائد هذه الوسيلة الإعلامية الحديثة، إلا أنها تساعد بطريقة أو بأخرى لارتكاب بعض أنواع المفاسد والجرائم داخل المجتمع، ولا يمكن مراقبة ذلك إلا من خلال الأسرة والتوجيه السليم لإبنائها من خلال ممارستهم لهذه الخدمة الإعلامية نحسن التوجيه والمراقبة الدائمة، واسداء النصح قد يكون الوسيلة الأهم في الوقت الحالي لمقابلة ما ينتج عن الانترنت من سلبيات تؤثر على المجتمع، ولهذا لابد من التنبيه إلى خطورة كل ما يحدث في مجال الإعلام، ويدفع إلى ارتكاب الجرائم سواء بصورة مباشرة بمجرد الاطلاع على هذه الوسيلة الإعلامية، أو أن يختزن في اللاشعور حتى تظهر بعد فترة في سلوك إجرامي. إن وزارات الإعلام حالياً من أخطر الوزارات في المجتمع، ولم تعد من الأجهزة الكمالية، ويقع على عاتقها وعلى عاتق قياديها إعادة النظر في كل ما يحدث على ساحة الإعلام من فوضى، وعدم التزام وعدم تنسيق، والسعي حيثياً إلى المكاسب المادية فقط.. ويجب أن يكون لكل خطة إعلامية منظور قانوني واجتماعي يراعي فيها أخذ رأي رجال القانون والاجتماع.. حتى تكون وسائل الإعلام متطورة وحافظة لقيم المجتمع، بدلاً عن أن تكون وسائل هدم لها.. وكلنا يعلم ما يترتب على ذلك من آثارها على المستوى الاجتماعي والانحرافي وانتشار الجرائم بين أفراد المجتمع. مدير إدارة المباحث الجنائية المركزية الأسبق