الذي يعتقد أن العبادي العبقري يقتصر جهده على (ياعازة الفراق بي طال) أو رميته الساحرة التي خلدت بدايات عهد الحقيبة، بل الليلة الأولى لميلاد حقيبة الفن والتي قال فيها: يا محمد أبياتي القلال ليك في سطورن زاد هلال بقدرة الحي ذو الجلال تتهنى في بيت الحلال وقد قيلت في زفاف واحد من أهلنا العمراب آل بشير الشيخ عبد الرحيم.. وآل عبد الرحيم الشيخ حامد والشيخ حامد، هو صاحب الخلوة الشهيرة في المكنية، وإن كان البعض يعتقد نسبتها إلى جده الشيخ حامد.. ولكن خلوة الشيخ حامد الكبير في سقادي بالغرب غرب المحمية.. وليست المكنية. أعود فأقول إن عظمة العبادي تتجلى في كثير من مواقف الابداع، كشاعر كبير وكوطني فذ، وكرائد مسرحي شعري أخترع المسرح الشعري في السودان في عشرينيات القرن الماضي (المك نمر)، والتي خلد بها أعظم ملوك الجعليين، الملك الحازم العابد الذاكر المك نمر.. والعبادي في ذلك الوقت كان يجاري أجواء المسرح الشعري في مصر، وكان هذا هو نمط المسرحيات.. تلقى شعراً عامياً في البدايات حتى أطل على المسرح أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي قدم في ذلك الوقت أعظم الأعمال المسرحية الشعرية.. على بك الكبير.. مصرع كيلو باترا، وقمبيز التي شرح فيها لأول مرة كلمة زول، والتي تعني في اللغة الإنسان اللطيف المهذب.. خاصة وأن أحمد شوقي قد تناول في هذه المسرحية محاولات القائد الفارسي العظيم قمبيز غزو بلاد السودان الحالية، أو بلاد النوبة وأرض النوب والمريس. أما طرائف عمنا العبادي ومفارقاته وقفشاته فما أكثرها، ومن ذلك ما حدث مع صديقه وصديقنا المرحوم محجوب حمد أشهر جزاري أم درمان، وأول من افتتح جزارة حديثة في عاصمة الوطنية والفن، ذلك أن العبادي حضر إلى جزارة محجوب وقال له يا محجوب نزل الكراع دي.. شوف فيها كم (وقة).. فقال له محجوب.. إنت من زمن الوقه يا عم العبادي ما عملوها بالكيلو!!... فقال له العبادي على الفور وعلى البديهة شعراً: قوم ناول أخوك الكيلو والبيغادي ليك أحكي لو لو بالوقة أو بالكيلو أصلو الغافل الله وكيلو ألا رحم الله عمنا العبادي فقد كان عبقرياً موهوباً عاش فوق الثمانين من عمره بكثير، بروح عذبة شابة تحسبها لم تتجاوز العشرين.. وهكذا العباقرة الموهوبين لا تشيب أرواحهم وإن شاب الجسد واشتعل الرأس شيباً.