إذا عدنا معاً أيها الأخوة الى اتفاقية مشاكوس، فسنجدها قد حددت الحدود الشماليةلجنوب السودان وفقاً لحدود 1956 م، وبالتالي سنجد أن ولاية النيل الأزرق، وولاية جنوب كردفان بما فيها منطقة أبيي تقع داخل الحدود الجنوبية للشمال السوداني، أو في الحدود الشماليةلجنوب السودان، وذلك في حالة الإنفصال، وكان لزاماً لجميع المشاركين في تلك الإتفاقية أن يكون التحاور بينهم خارج نطاق هذه المناطق الثلاث، إلا أن الوسطاء أقحموا تلك المناطق الثلاث فيما بعد على نفس الطريقة الإسرائيلية، بل وصنعوا لها برتوكولين أحدهما سمي ببروتكول أبيي، والآخر سمي ببروتكول النيل الأزرق وجنوب كردفان، ولم يتحرك قصيرو النظر من الذين عهد اليهم السودان بحل هذه المشكلة، بل رجعوا الينا وهم يحملون في جعبتهم هذين البروتوكولين كهدية للشعب السوداني، ( إنا لله وإنا اليه راجعون). عدد سكان ولاية جنوب كردفان وعاصمتها كادوقلي يقدر بحوالي إثنين مليون نسمة ( 2000000 ) تقريباً، أما مساحتها فتقدر بحوالي اثنين وثمانين ألف ميل مربع، (82000 ) ميل مربع، ويدين غالبية السكان بالإسلام، وهم يتكونون من قبائل سودانية عديدة من أهمها قبائل النوبة، والمسيرية، والحوازمة وأولاد حميد....الخ، ونجد أن أهمية هذه الولاية برزت بعد استكشاف البترول بها، حيث تضم الآن عدداً من حقول البترول أهمها حقول بترول هجليج، وبليلة.. ، وبالرغم من أن إنتاجها ليس كبيراً إلا أن مستقبلها أكبر، حيث تعتبر الآن ولاية البترول الرئيسية الأولي بالسودان. إن التنافس الكبير في الانتخابات التكميلية الذي حدث في تلك الولاية بين الحزب الحاكم- المؤتمر الوطني- وشريكه في الحكم الحركة الشعبية، يعتبر من أكبر المواجهات التي حدثت بينهما في أي انتخابات أخري خاضوها معاً، فكل منهما يعي وبكل وضوح معني خسارة هذه الولاية الحدودية، التي تحمل امكانات بأن تلعب دوراً محورياً في تفتيت السودان وفقاً للمخطط المعروف من قبل الحركة الشعبية، والتي تريد وبكل وضوح ودون لف أو دوران أن تكسب هذه الانتخابات لتتهيأ للمرحلة التالية وهي مرحلة المشورة الشعبية، التي تخطط لها الحركة دولياً لتجعلها عملية لتقرير المصير لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق معاً، ثم تأتي مرحلة استفتاء أبيي وإمكانية انضمامها الى مديرية بحر الغزال، والتي رأت الحركة أنه من الأفضل لها التفاوض في مشكلة أبيي بعد أن تكون قد أسست دولتها بالكامل، لكي تستطيع التفاوض مع حكومة شمال السودان من مصدر قوة، وقد تساندها بعض الدول الإقليمية الشقيقة، أوربما دول عالمية صديقة، ولا ننسى أيها الأخوة بأن هذا الخط مستحيل، ولكن أثبتت لنا الأيام بأنه لا مستحيل تحت الشمس، لأنه وللعلم، فقط أن كل مرحلة من هذه المراحل تم تفصيلها بدقة حتى يكون في وسطها تنازل واتفاقيات جانبية، وبيع وشراء وتبديل مشكلة بمشكلة أخرى، خاصة وأن حكومة الجنوب اختارت بأن تترك الكثير من الملفات المهمة خلفها الى ما بعد الدولة الجديدة، لا لشيء، إلا لتساوم بها عند الضرورة، بينما اخترنا نحن الإنتظار الي ما بعد قيام الدولة الجديدة وهذا أسوأ الأمرين، وهناك أيها الأخوة من يقول إن حكومة الجنوب ليست لديها خبرة في مجال السياسة العالمية، وأنها.. وأنها...ولكن هيهات فإن حكومة الدولة الجديدة قد ولدت بأنيابها، ومستعدة أن تلتهم أية وجبة ساخنة، لا يكترث صاحبها بالدفاع عنها، أنظروا معي أيها الأخوة الي تلك الأموال الضخمة التي تم صرفها في الانتخابات التكميلية لولاية جنوب كردفان، دعماً لمرشح الحركة الشعبية السيد عبد العزيز آدم الحلو، ونحمد الله بأن الحزب الحاكم قد انتبه لذلك في الوقت المناسب، وعمل لتلك الانتخابات ألف حساب، وكسبها بعد معركة شرسة أعد لها العدة والعتاد، وهو لا يزال يتذكر محاولة الحركة لترحيل مليون ونصف المليون جنوبي من الشمال الى الجنوب لضمان نتيجة استفتاء الجنوب، علماً بأنه كان على أي جنوبي أن يصوت ( بنعم أو لا أينما كان)، ولكنها- الحركة- تعمل لكل شيء ألف حساب، وهذا هو المفروض، لذلك فإن الفوز الذي حققه الحزب الحاكم في الانتخابات التكميلية لولاية جنوب كردفان يعتبر من أهم انجازات الحزب الوطني بعد الاستفتاء، لأنه خلط جميع أوراق الحركة الشعبية وهزمها في الوقت المناسب، وترك مرشحها السيد عبد العزيز آدم الحلو في أن يختار بين أن يكون مواطناً بشمال السودان متمتعاً بجميع حقوق المواطنة، أو أن يكون لاجئاً بجنوب السودان منفذاً لأجندة خارجية ضد وطنه وأمته العربية والإسلامية، ويجب أن لا ننسى بأن الحوار القادم سيختلف شكلاً ومضمونًا عن الحوار الذي انتهي الآن ، خاصة وأن أي تحرك للسيد عبدالعزيز الحلو الى جهة دولة الجنوبالجديدة بعد يوم 9/7/2011 سيعتبر جريمة، بل وخيانة عظمي تجاه وطنه الأم،، بل وربما احتاج سفره الى جنوب السودان الى موافقة أو عدم موافقة من وزارة الداخلية السودانية، ألم أقل لكم أيها الأخوة بأن الموقف سيتغير كلياً. والملفت للنظر في هذه الانتخابات بأن مولانا أحمد هارون لم يكن فوزه على السيد عبد العزيز الحلو كبيراً كما كان يتوقعه الكثيرون، الأمر الذي ترك البعض في حيرة ، أما البعض الآخر الذي كان يعلم المبالغ الضخمة التي أفرغتها الماكينة المالية للحركة الشعبية في سبيل فوز السيد عبالعزيز الحلو، فقد تنفسوا الصعداء وقالوا الحمدلله. وأنا اعتقد بأن الفائز الأول في هذه الانتخابات هو السيد تلفون كوكو الذي تحصل على تسعة آلاف ومائة وثلاثين صوتاً(9130)، علماً أن الفارق بين الخصمين الكبيرين هو(6500صوتاً )، وبالتالي ليس هناك ضمان لفوز مولانا أحمد هارون كوالٍ لجنوب كردفان مالم يعلن السيد تلفون كوكو صراحة بأنه سيظل مستقلاً ولن ينضم لأية جهة، ويستطيع السيد تلفون كوكو من ضمان فوز السيد عبدالعزيز الحلو في حالة انضمامه اليه، حيث سيكون الفارق بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني هو 2630 صوتاً لصالح مرشح الحركة الشعبية عبدالعزيز الحلو. ومن هنا يجب على حزب المؤتمر الوطني من وضع دراسة كاملة لمعرفة أسباب اخفاقاته في الانتخابات التكميلية بولاية جنوب كردفان، وكيفية تلافي آثارها مستقبلاً، بجانب وضع استراتيجية أمنية شاملة تسمي استراتيجية أمن واستقرار ولاية جنوب كردفان، يخصص لها مبالغ ضخمة بالتعاون مع رئاسة الجمهورية، وجهازي الأمن والمخابرات الوطني، والقوات المسلحة والشرطة وأي أجهزة أخرى يرى المشرع إضافتها، وذلك لتأكيد استتباب الأمن والأمان بهذه الولاية الحدودية، وحمايتها من التغلغل الجنوبي أو من أية استهدافات أخرى.