إذا سمعت يوماً- إحذر غضبة الحليم- ذلك إذا بلغ التطاول عليه والأذى مداه.. فهو- (أي الحليم)- لا يثير الآخرين.. ولا يتعجل الرد بغتة.. فإذا تحامقت معه.. وأوصلته لقياس أن يصفعك فأنت حينئذ تكون قد أوصلت نفسك مدارج التهلكة.. لأنه لا يتوانى بعدها.. كأنه يتوشح حينها بقول الشاعر: ألا لا يجهلن أحد علينا* فنجهل فوق جهل الجاهلين ويكون وقتها قد تجاوز آيته الكريمة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).. وإذا ضرب هذا السياق للمتأني صاحب الحكمة الفرد، فالأمر قد يتعدى ويسري على المجموعات والقطاعات الراصدة النابهة.. فإنها لا تسهو لأن السهو يوجب الاستدراك، فأهل الحكمة يتوارثون الخصال وتوازن الفعال.. ومن هنا جاءتهم التوجيهات وفصل الخطاب (.. وإن جنحوا للسلم فاجنح لها..) و (.. أعدلو هو أقرب للتقوى).. و(.. لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..) و (... خذوا حذركم).. ومن ثم اتتنا نحن بالسودان هذه المترادفات من الابتلاءات والتحديات.. وما نعايشه في جنوب السودان وأرجاء السودان الأخرى، وما ننجزه في منعطفات (كردفان) و(النيل الأزرق)، هو صفحة من سفر وملفات تاريخ الوطن.. ومن تداولنا للخبرة وتطوراتها.. وكنا نعالج المحدثات بتؤدة وتروٍ.. همنا الوطني كله هو رأب الصدع.. ولا يكون ذلك إلا (بالخيارات) وعدم التسرع.. وكل أمر يُندب له قرينه.. كما كان يبعث الناس - يوماً- إلى (الروم) وإلى (دنقلا) السودان.. وإلى (أثيوبيا) و(غيرها)، فاليوم تبعث أطواف التفاوض (لأروبا) و (الدوحة) و(كادقلي)، لتطمئن الأوضاع ولتسود التنمية.. ويكون الحكم (بالعدل).. لإعمار الأرض وعبادة المولى الأجل.. ومن بين نتوءات اتفاق (نيفاشا) المناطق (الثلاث)، ومنها (أبيي) التي أدخلت كأنها (مسمار) جحا.. وأنتم.. أعزائي.. تدرون (خدعة) هذا (المسمار) الذي غرزه(جحا) في عمق المنزل الذي باعه لآخرين.. واشترط عليهم أن يأتي كل حين وآخر لينظر (مسماره) هذا.. لأمر يعلمه هو.. فبقبول هذا الشرط من المشتري أبيح (لجحا) الدخول لمنزل الأسرة في كل حين وفي أي وقت شاء.. بحكم الاتفاقية.. حتى ولو كانت الأسرة مسترخية!!.. فكان هذا هو (مسمار جحا)، فمن بين هذه المسامير (أبيي) التي هي (شمالية)، وموقع وموطن للمسيرية منذ عام (1760) وليس منذ (1905م) وكان التفضل والإيواء للقادمين اليهم- (أي للمسيرية)- في العام الأخير هذا (5) وتعايشوا وتبادلوا (المنافع) و(المواقع)، ولكن للعرب مثلٌ يقول: (جدادة الخلا طردت جدادة البيت)، إشارة لاختلال منطق العرف و (المعروف) والمروءة.. وكانت (الحكمة) هي السائدة بين الحكماء وعلى رأسهم: (حكيم العرب)- بابو نمر- ناظر عموم المسيرية- رحمه الله- إلا أن الروح الوفاقية والتعايشية الحميمية بدأ يتنكر لها جيل جاحد لم يقرأ أضابير العهود، ولم يدرك ويجيد قراءة العرض ومبدأ أن (الناس) بالاريحية والحسنى-كلهم لآدم وحواء- والأرض للجميع.. وإن تنازعوا فالبقاء للأقوى وصاحب التاريخ (1760) والإرث.. وحقيقة (الحكمة ضالة المؤمن) ونرجو أن يتماثل اليها أيضاً (غير المؤمن)، لأن الأمن والطمأنينة والنماء بهم كل كائن حي.. والحكيم هو الذي يحافظ على (شعرة) الوصل دون انقطاع.. وألاَّ تكون قاصمة لظهر (البعير)- (أي قاتلة)- ومتلفة للشأن المعني فقلنا: (أولاً ) أين كان هؤلاء قبل عام (1905)، ولماذا جاءوا هنا لأبيي.. و (ثانياً) من الذي استقبلهم حين جاءوا.. وقدم لهم الطعام والإدام والمأوى؟- والزرع والضرع.. و(ثالثاً) كيف كان التسامح والتعامل بين الزعيم (بابو نمر) و (دينج مجوك).. و(رابعاً) من الذي أدخل (أبيي) في ملفات (الفتنة) لتكتب باسمه هو لوحده.. و(خامساً) إذا شارعك (شريعة) طرف آخر مدعياً أن قميصك الذي تلبسه هذا هو قميصه هو.. فلك أنت أن تثبت بالأدلة وبالشهود.. ملكيتك لهذا (القميص) هي حقيقة دون أن (تصفعه).. لأن الدليل والتجربة والواقع خير برهان.. حتى وإن أتتك (أبوجا) أو (نيفاشا) وقبل ذلك (أثيوبيا).. وقد جلست أنت مع منازعك في (كادقلي) قبل أشهر قليلات لتثبت أريحيتك في (التعايش) والتزام حدود (1956م)، وأن حارسيك (بأبيي) هم قوات الدولة (المشتركة) وليس (1.500) من جيش الحركة في هيئة (شرطة).. والكل يعلمون.. وأن يسمح لمراقبي (الأمم) بمعايشتك أيضاً هناك... و(سادساً) فإن تكررت الخروقات والإعتداءات من قبل الجماعات المسلحة من الحركة الشعبية.. والأممالمتحدة تنظر هكذا.. حتى رأت بأم عينها وعايشت (القتل) والألم في نفسها (كأمم) في يوم الخميس: (19/5/2011م)، وهم- (أي جنود ومراقبو الأممالمتحدة)- يتحركون خارج (أبيي) وجيش القوة المشتركة للدولة السودانية برفقتهم.. حين أعتدت عليهم كلهم (الحركة الشعبية)، فقتلت وجرحت الكثيرين.. وهم في طمأنينة لا يتوقعون حدثاً مثل هذا أبداً.. ولكن كما نقول (للصبر حدود) وللحليم أن ينتفض.. و(سابقاً) إذا انتكست ورفضت وخرقت كل المواثيق، ورفض الطرف الآخر أن يبقى خلف حدود (1956)، فإن النتائج تكون هي هذا الخسران المبين، وأن (الأمم) وقواتها ديكور ومسرحية انحيازية فإذن السودان كله... وليس الساكنين وحدهم من (المسيرية) وغيرهم.. السودان كله يهب لسد (الثغرة) وكلهم يكررون شعراً: من لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يتقي الشتم يشتم والتوجيه يأتي من (ربنا الأعلى) فيقول (من أعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم...)، وهنا كل الشباب رفعوا التمام قائلين ورافعين قول شاعرهم: كونوا جنوداً فللجندي حرمته * ولا تجعلوا الكراسي بينكم قيما.. فاستلم الشباب السوداني في (القوات المسلحة) الصابرة وكتائب (المجاهدين) فبسطوا الأمن والاستقرار هناك.. و( أبيي) شمالية حتى تثبت الإجراءات (العادلة) تثبت عكس ذلك.. وليس الأمر هنا لفئة أو جماعة هنا أو هناك، إنما (الصفعة) التي وجهتها (القوات المسلحة) وشباب (المجاهدين) هي (صفعة) للخلل والاختراق للنظم والمواثيق، (ومن نكس فإنما ينكس على نفسه ) والله ناصرنا ومولانا.. والآخرون معتدون وظالمون ولا مولى لهم.. (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) النساء.