كتبت قبل أيام خلت متمنياً.. آملاً.. حالماً.. «شاحداً» الحق عز وجل أن أكون رئيساً.. فهبت العواصف مثلها مثل صرصر تلك العاتية من الأحبة والأعداء والأصدقاء والإخوة.. مستنكرة على شخصي «الهزيل» المسكين البائس حتى الحلم بأن أكون رئيساً لجمهورية السودان.. والأمر لا يعدو أن يكون أكثر من «حسادة».. إذ كيف يتجرأ أحد «الحرافيش» أو فرد من العوام بأن يصبح رئيساً للسودان.. وهؤلاء «المساكين» لا يعلمون أن أكثر الرؤساء خطراً وأجلهم شأناً كان عامل منجم يغطي «الرماد» و«السكن» و«السجم» كل وجهه.. وصار بقدرة قادر هو رئيس جمهوريات الاتحاد السوفيتي الذي كان عظيماً قبل أن تدنس قبابه الذهبية في الكرملين.. أحذية العملاء والخونة.. وقبل أن تجتاحه خيول الردة المجنونة.. واليوم أنا أحلم حلماً أكثر من ذاك بكثير.. بل سألت الله في سري وفي علني لو كنت أحد أفراد وفد العلماء الأجلاء الموقرين الذين التقوا بالسيد رئيس الجمهورية بالقصر الجمهوري.. وأخفض نفسي درجة وأهبط قليلاً لأقول.. ليتني كنت أحد أفراد ذاك الوفد الجليل.. وفد علمائنا الأجلاء.. ولكن ليس بصفة عالم أو فقيه أو مفتي.. بل أحد أفراد الرعية ومواطن أغبش عادي من أفراد الشعب السوداني الأصيل والنبيل والجميل.. طاف بذهني كل ذلك وأنا أتلقط الأخبار.. بل تزودنا الوسائط بالأخبار وترشح الأنباء عن ذاك اللقاء بين القائد ووفد علماء المسلمين... حزنت كثيراً وتحسرت طويلاً وغضبت قليلاً والأنباء تقول إن علماءنا المبجلين طالبوا السيد رئيس الجمهورية بأن يحجب الأغاني في التلفزيون شهر رمضان المقبل.. لأن رمضان الكريم هو شهر عبادة وقيام وصيام وطهر وتطهر.. وللسادة العلماء أقول.. لقد أضعتم فرصة تاريخية كانت سوف تسجل لكم بأحرف من نور في سفر الوطن الكبير قبل أن تسجل ثمينة وثقيلة في ميزان حسناتكم.. أقول أضعتم فرصة تاريخية.. لأن لقاء الرئيس ليس متاحاً كل يوم.. كل يوم.. كان يجب.. بل لو كنت مكانكم أو أحد الحضور بين يدي رئيس الجمهورية.. لكانت المطالبة بحجب أو إيقاف الغناء في شهر رمضان هي آخر الاهتمامات.. وأهون الطلبات وأيسر المطالبات.. كنت سأهتبل تلك السانحة الذهبية لأقول للرئيس.. إنك تحدثت عن الفساد.. وتحدث نائبك عن الفساد.. وها هو الشعب السوداني كله يتحدث عن الفساد.. لا حديث للناس غير الفساد الذي استشرى وعم القرى والحضر.. تمشي به صفحات الصحف.. وتركض أو تجري به الحافلات والمركبات العامة.. تحفل به صيوانات العزاء وخيم الأفراح.. كنت سأقول للرئيس.. بالله عليك ورجاءً من الأمة.. وحتى تهدأ هذه الرياح.. رياح الشك والبهتان.. أو الحقيقة واليقين والبرهان.. بالله عليك أمسك هذا «الملف» بيدك شخصياً.. حتى تطمئن النفوس وتغشى الطمأنينة القلوب.. كنت سأقول.. ابدأ بالكبار والذين هم في أعلى وأخطر مواقع المسؤولية وصنع القرار.. لا تستثنِ أحداً.. اسأل هؤلاء عن أي مليم اكتسبوها بطريق غير شرعي.. أخضعهم لقانون من أين لك هذا.. ولا شك أنك تعلم كيف كان هؤلاء قبل عشرين سنة وتزيد.. وكيف هم الآن.. لتتمايز الصفوف.. وليظهر بريئاً من كان حقاً وحقيقة بريئاً.. وليغادر موقعه تواً وفوراً من تثبت التحقيقات أن جنيهاً واحداً قد دخل جيبه أو «بطنه» بغير وجه حق.. عندها سيدي ستعرف الذين نهضوا معك في ذاك اليوم الذي أطحتم فيه بالنظام القائم وتعهدتم بإقامة شرع الله.. ستعرف الذي كان يهتف صادقاً مخلصاً.. هي لله.. هي لله.. لا للسلطة ولا للجاه.. وستعرف أيضاً الذي جعل تلك الهتافات مطية وجسراً.. و«كوبري» للسلطة والترف والأموال والثراء والجاه.