وما زلنا.. وللأسف نبحر في بركة الفساد الآسنة اللزجة.. والأمر ليس مصادفة.. ولا هو أمر توقيته كيف ما اتفق.. ولا خبط عشواء.. هو أمر مقصود في ميقات معلوم.. نكتب فيه أوان الانتخابات.. بأشد الحروف.. سطوعاً ووضوحاً.. وقبل ذلك كتبنا عن الفساد.. بكل أشكاله وضروبه.. كتبنا في يقين وما زلنا في ذات اليقين والثبات.. والتأكيد.. إن المختلس.. أو الفاسد.. لن يفلت أبداً.. أبداً.. كتبنا كيف أن الدول المتحضرة.. المتقدمة.. لا تحارب في عنف وعنفوان.. في صرامة حديدية.. وفي تصميم لا يهن ولا يفتر.. لا تحارب.. آفة محاربتها للفساد.. هذه الدول تعتبر أن الدولة تنهار.. أركانها.. وينهدم بنيانها.. عندما ينخر الفساد هياكلها.. حتى وإن كانت خرسانية.. أو صلدة من حجر الصوان.. واليوم نتحدث عن آليات.. كثيرة ومتنوعة لمحاربة الفساد.. وهنا نعني بالفساد تحديداً.. والمفسدين خصوصاً.. أولئك الذين نهبوا المال العام.. من مصلحة.. أومصرف.. أو محلية أو وزارة.. وقطعاً.. نحن لا نأبه كثيراً أو قليلاً.. بذلك السلاح الذي رفعه في وجوه الفاسدين.. مولانا.. والذي بيده السيف والميزان وهو ينصحهم.. بالالتزام جادة الدين وأن يخافوا الله في مال المسلمين.. بل نعتبر هذه المقولة.. تمثل تماماً.. وضع الندى في موضع السيف.. ومقولة مولانا هذا.. تقودنا إلى ما يردده أبداً المظلومون.. والمساكين من أبناء الشعب وهم يرون أموال الدولة.. والمصارف.. تُنهب في وضح النهار.. فهم يكتفون.. بالطمأنينة التي تتغشاهم.. وهم يرددون في صدق ويقين.. إن الله المنتقم الجبار سوف يسألهم ويعذبهم عن أي مليم.. اكتنزوه بالحرام.. بل يذهب بعض الناس بأن الله.. ينتقم من هؤلاء في هذه الدنيا قبل الآخرة.. مرضاً.. أو موتاً فجائياً.. أو نكبة فادحة.. أو خسارة ولد أو موت ابن أو زوجة.. لا تقل لي إن هذه شماته.. بل هو عذاب وتذكرة.. للعالمين.. أما أنا فقد كنت مثالياً.. بل «طوباوياً» حالماً.. عندما تحدثت عن محكمة المرايا.. والحق يقال.. إني لم أذهب هذا المذهب.. إلا بعد يأسي وقلة حيلتي.. بعد أن «قنعت باطن وظاهر».. من محاربة الدولة.. للمفسدين والمختلسين.. فقد قلت وما زلت أقول.. إن أخطر محكمة يواجهها الإنسان.. هي محكمة «المرايا».. نعم «المرايا» و «الواحدة العديلة دي».. أو «المنضرة».. وما زلت أجزم.. وأقسم أن محكمة المرايا.. أشد خطراً وخطورة.. من أي محكمة شهدتها الأرض.. إنها أخطر من «أولد بيللي».. وأشد بأساً من «نورمبرج» التي بكى وارتجف و «تجرس» في قاعتها وحوش النازي.. وبالله عليكم.. تخيلوا معي.. أحد «الحرامية» مختلس لص.. ناهب مال.. أو أرض.. أو ساحة ميدان.. أو خاطف وظيفة أو مرتشي.. أو مستغل موقع وصولجان ونفوذ.. يعلم من أمر نفسه كل ذلك.. تخيلوا معي.. هذا الشخص.. وعندما يقف أمام «المرايا» كل صباح.. كل صباح.. هل يستطيع أن يواجه وجهه ذاك البشع القبيح.. ماذا يقول.. لشخصه في المرايا.. هل ينكر.. أمام صورته المنعكسة على المرايا.. كل أفعاله.. وأوساخه.. وماذا يفيد المرء إذا ربح العالم كله وخسر نفسه.. وهل يستطيع مثل هذا.. أن ينظر في «نص» عيون أولاده وبناته وزوجته؟ وهل يستطيع أن يقدم نصحاً لابن أو ابنة.. أن يشبوا على الطريق القويم.. ويتدثروا بباهر الأخلاق.. وأن يبعدوا أيديهم عن المال الحرام.. ثم سؤال.. يتفرع من نفس النهر.. كيف لأولاده وبناته احتمال.. نظرات زملائهم بالجامعات.. والدنيا كلها تعرف أنهم أبناء مختلس أو مزوِّر أو لص حقير.. نعم.. هذا ضرب من المثالية.. وإن كنت أتمنى.. أن تتمدد قيم الصدق.. والنبل والشرف.. والأمانة في كل أرجاء النفوس.. ليكون الضمير.. والوازع الأخلاقي هو الضامن لسلامة المجتمع.. أرضاً وإنساناً ومالاً.. وحتى ذاك الحين نقول.. إن هناك سلاحاً .. أقوى وأمضى.. وها هو أوانه قد حان.. هو سلاح الاقتراع.. وها هي لحظة سيادة الشعب قد دقت ساعتها.. ولأن الشعب كما صدح.. محجوب قائلاً «سيد نفسك مين أسيادك» هو الآن السيد.. والمرتجى بيده.. أن يعاقب كل من ارتكب جرماً في حق الوطن.. وأن يمنح من كان بريئاً من أي مليم أحمر.. من أموال الوطن.. وما أسهل السلاح.. وما أمضى السلاح وما أكفأ السلاح.. سلاح بطاقة الاقتراع.. وما أعظم وأجل الأمانة والتكليف.. وما أعرض الأماني والأحلام.. وما أبهى المناشدة.. المناشدة للناخبين.. وهم «يرمون» بالبطاقة.. في صندوق الاقتراع.. والمناشدة.. هي.. أن يستوصي أي ناخب رقابة ضميره والوطن.. وفوق كل هؤلاء.. رقابة الخالق..