وما زلت عضواً في وفد علمائنا الأجلاء في حضرة رئيس الجمهورية.. لست عالماً ولا فقيهاً ولا مفتياً بل ناطقاً باسم العوام من شعب السودان الجميل.. أحدث الرئيس عن صف الجوع الكافر شاكياً الصف الآخر الساجد من ثقل الأوزار.. أحدث الرئيس عن تلك الجبايات التي تربض للشعب السوداني في كل دار في كل مكتب في كل ممشى.. إيصالات تمد لسانها ساخرة ضاحكة على أورنيك «15» والذي بات أندر من لبن العصفور.. وكل مصلحة أو وزارة أو مكتب يبتدع ويبدع فنوناً من استحلاب آخر «تعريفة» من جيب المواطن المسكين المغلوب والمقهور والمضفور.. و «حكمة الله» إن إيصالاتها تماماً مثل شفق المغارب.. أصفر أحمر أخضر كما الكهارب.. إيصالات مطبوعة على «الرونيو» وأخرى صقيلة من الحاسوب.. ومزع من الورق من الفلسكاب.. وكثير منها منزوعة من كراسات عربي وحساب.. ثم أشكو للرئيس تلك الجيرة الجغرافية التي تجمعنا بالأحبة الوزراء والولاة والدستوريين.. وذاك الجدار الأسمنتي الشاهق الذي يقسم الموطن إلى شطرين شطر يتيه ويزهو ويتقلب في الترف.. وآخر يتمرغ في أوحال القرف.. أحدث الرئيس عن «ناس» والذين هم الوزراء والدستوريون والولاة والمعتمدون ومرتباتهم هي من «خمسة» ملايين «بالقديم» فما فوق.. ومواطنين يسهرون الليل إلا أقله.. ينزفون عرقاً يروي في كفاءة حوض برسيم.. وعند آخر كل شهر «يقبضون» ثلاثمائة جنيه لا غير.. وآخرين وبعد أن أفنوا ربيع حياتهم وهم يقدمون جهدهم وأعصابهم ودموعهم وأحياناً دماءهم ثم يستظلون تحت على كراسي القماش في «شارع الله» وهم يجاهدون ويجهدون النفس للحصول على معاش يكون أحياناً مائة وخمسين جنيهاً وأحايين أخرى يقل عن المائة جنيه.. وأواصل متحدثاً مع الرئيس في شجاعة.. بل متسائلاً.. كيف يكون هذا.. ولماذا البلد تنشطر إلى قسمين.. غير متساويين وليسا عادلين.. كيف تستقيم الحياة لأسرة تتكون فقط من زوج وزوجة وابن أو ابنة كيف تستقيم بهذه الحفنة البائسة من الجنيهات.. و أواصل قائلاً.. للرئيس.. لماذا توجيهاتكم الرئاسية والصادرة من أعلى قمة في هرم الدولة لا تنفذ فوراً وحالاً.. لماذا يتجاهلها هؤلاء الذين أقاموا داخل محلياتهم أو وزاراتهم أو مؤسساتهم دولة.. داخل دولة.. لماذا وأنت تتحدث عن مجانية العلاج.. وها هو العلاج عصي على الفقراء والمساكين.. تتحدث عن مجانية التعليم.. وما زال التلاميذ والطلبة خارج أسوار المدارس بعد أن عجز أولياء الأمور عن دفع الرسوم.. واعلم سيدي الرئيس أن الفقراء ودفاعاً عن تعليم الأبناء يشترون الكراسات والأقلام وحتى الكهرباء و«الطباشير» وأسأل الرئيس أو اقترح على الرئيس أن «يُعين» رجلاً صارماً شجاعاً ذا مباديء حاسماً.. تكون مهمته فقط هي متابعة قرارات الرئيس.. ثم أواصل الحديث مع الرئيس وأسأل.. متى يتدخل في قوة لحسم تلك الفوضى العارمة التي تشهدها البلاد وقد شهدتها بالفعل.. مثلاً.. وزير مركزي له الوزن والحضور والثقل.. يصدر أمراً بإقالة مدير مرفق في وزارته ثم التحقيق مع المدير المقال.. وهنا يخرج المدير بما لم نسمعه ولم يحدثنا أحد به في أي دولة من العالم منذ نشأة الدول وحتى اليوم.. يرفض المدير الإقالة.. بل يتحدى ويُعلن أنه سوف يدخل ولا أقول يقتحم مكتبه رغم أنف اللوائح والقوانين.. وأواصل الحديث مع الرئيس لانكأ جراحاً لن تندمل إلا بتطهير ذاك الجرح الغائر الفادح.. وهو تلك الصفوف من مئات الآلاف بل الملايين الذين ترفوا من مقصلة الصالح العام.. ذاك «الكشف» الذي فرق الأسر وشتت شمل العائلة وملأ القلوب والنفوس بالاحتقان.. وها هي البلاد تخطو نحو تأسيس دولة أو جمهورية ثانية.. هؤلاء لن يكونوا أبداً سواعد وركائز لجمهورية ثانية أو ثالثة أو عاشرة وهم يعيشون الظلم جراء قطع عيشهم والذي هو عيش أسرهم.. وبالله كيف يدافع مواطن عن ألوان وطن وأعلام وطن.. والوطن يحرمه من أبسط حق الإنسان والمتمثل في العمل.. ثم نغادر القصر.. «وكل واحد في طريقو» علماؤنا إلى سياراتهم.. وأنا أتوكل على الحي الذي لا يموت و «كداري» إلى شارع الجمهورية لاستغل الحافلات إلى ود نوباوي..