يبدو من المستحيل استذكار بدايات شهر يونيو واحوال ايامه الاولى منذ الاربعينات في الدول العربية الا وان يتم استحضار المآسي معها على خلفية ما حمله هذا الشهر من مصائب، جرت حروب وويلات وتغييرات اساسية مركزية في بنيان هذه الدول التي كانت تسمى فيما مضى دول المواجهة مع اسرائيل، ولم يكن لبنان الدولة العربية المفترض بها ان تكون مساندة الا وتلقت النسب الاكبر من هذه التداعيات والتي لم يخلص منها لبنان حتى ايامنا هذه ابتداء من التهجير الفلسطيني الكبير الذي ما زال المؤثر الاكبر في عدم ارتكاز الدولة اللبنانية وممارسة استقلالها بشكل يوازي الدول الاخرى، واذا كان الهمّ الفلسطيني هو الطاغي على عدم قدرة الدولة اللبنانية للقيام بواجباتها طوال عقود، فإن هناك استحقاقات محلية لبنانية بحتة باتت تضغط لتبيان نتائجها خلال هذا الشهر الحزين، وتستعرض اوساط سياسية مطلعة سلسلة من التطورات والمحطات التي تنتظر هذا الشهر الصيفي الحار والذي طالما حمل معه مفاجآت على كافة الصعد السياسية والامنية والاقتصادية محلياً وعربياً ودوليا وتفند هذه الاوساط هذه المحطات كالتالي: ولا : عدم وجود حكومة قادرة تمسك الوضع اللبناني برمته وبكافة تفاصيله امام التداعيات الحاصلة في الدول العربية، بل في المحيط العربي بأكمله، ويهدد بانعكاسات خطيرة على الواقع اللبناني، وامام هذا الواقع الحكومي المكلف والذي يعمل من جهة ثانية على التصريف يبدو حسب هذه المصادر انه مستمر على نفس الدرجة من الوقوف في مكانه دون حراك يذكر ،وفق خلفيات متنوعة منها ما هو مرتبط بالشأن المحلي واخر له امتدادات اقليمية، فيما واقع الناس المتروك اقتصادياً ومعيشياً يضغط باتجاهات لا تبشر بالخير، وبالرغم من عدم تقديم اية اعذار مقنعة او علنية لعملية التشكيل الحكومي، فان الشائع لدى الناس انها سوف تعيش فترة طويلة من الفراغ الحكومي، ان لم يكن الوزاري، وان احداً لا يصدق من هؤلاء العامة ان الحكومة سوف تولد بين ليلة وضحاها ،بل ان القاعدة المتبعة لديهم اصبحت مقولة يتداولها الشارع العام ومفادها ان الوضع ماشي مع حكومة او دونها وان الحكومات لن تقدم او تؤخر في حياتهم اليومية. ثانيا : الخلاف حول عقد جلسة نيابية عامة وما تحمله من انقسامات بين فريقي 8 و14 آذار في الثامن من حزيران يونيو الحالي وبما ان الاجتماع سوف يجري في هذا الشهر بالذات فان ثمة اعتقاداً انه يحمل معه بذور الانقسامات ان لم يكن ادهى من ذلك بكثير، وتقول هذه الاوساط ان هذا الحراك وغيره من اللقاءات والاجتماعات اصبحت محكومة بسقف التداعيات القائمة في بعض البلدان ،وان نتاجه سوف يكون متدني المستوى ولن يؤثر في الحياة السياسية والتشريعية او يقدم خطوة الى الامام. ثالثا : موعد الخامس من حزيران يونيو هو ليس موعدا بمقدار ما هو تذكار للنكسة التي سوف يتم استذكارها هذا العام وفق الاجندة التي تخاض فيها الثورات العربية، بالرغم من الاتصالات الجارية بين المسؤولين اللبنانيين وقوات الطوارئ الدولية في محاولة لثني المتظاهرين بعدم اعادة المشهد الذي حصل في الاسابيع الماضية، نظراً لما يحمله من مخاطر جدية على الامن في الحدود الجنوبية ،وما يمكن ان يستتبع ذلك من خطوات يمكن ان تكون الدولة اللبنانية غائبة عنه على افتراض ان روزنامة معينة يمكن ان يكون قد تم وضعها من قبل بعض الفصائل الفلسطينية تنفيذاً لاجندة ليس باستطاعة لبنان تحمل نتائجها. رابعا : ويحمل هذا الشهر الحزين في طياته ايضاً جملة من لقاءات «اليقظة» لدى المسيحيين في لبنان الذين استفاقوا بعد اكثر من عشرين عاما على ما فعله الطائف بهم وتحويلهم مجرد شهود على احداث بعد ان كانوا من صانعيها في الماضي القريب، ولا ريب في ان النشاط والجهود التي يقوم بها البطريرك الماروني الجديد مار بشاره الراعي في سبيل توحيد كلمة المسيحيين ستشكل منطلقاً وان كان طابعه مسيحياً والا فإن مراميه وطنية ، ولاسيما لجهة تقوية صلاحيات رئاسة الجمهورية بعد ان اثبتت الايام والتجارب الحاجة القصوى لاعادة دراسة ثغرات الطائف من كافة الطوائف اللبنانية ،ووفق قراءة وطنية مشتركة من اجل درء المخاطر التي تحيط بهذا الفراغ الذي سيحصل عند كل مفصل من الحياة السياسية والقانونية في لبنان بحيث يستطيع رئيس الجمهورية ان يضع حداً لما يؤثر بشكل مفصلي على أية تداعيات يمكن ان تودي بالبلاد نحو الفتن والويلات. خامساً : ليس خافياً على احد ما تحاول ان تخفيه السياسات الاسرائيلية في هذا الشهر، وما تخطط له في الخفاء لهذا البلد الذي تعوّد على اعتداءاتها بوسائل شتى منذ عشرات السنين ، وان الخبث الاسرائيلي واجب التنبه اليه ويجب على اللبنانيين ان يتجنبوا هذه اللوعات المتتالية، بحيث يعرف القاصي والداني أن الهمّ الاسرائيلي الوحيد في لبنان هو سلاح المقاومة والباقي من التفاصيل، وان الفرصة امام هذا الكيان يمكن ان تكون سانحة مع الثورات العربية التي تغذي البعض منها اسرائيل، ليس بقصد خدمة الشعوب ، انما لزيادة التنكيل بهذا الجسم العربي الذي يمكن ان يصدق يوماً ان هذه الدولة المستحدثة تريد سلاماً مع جيرانها، وهي التي شنت عليهم حروباً متواصلة عسكرية واقتصادية واستخبارية، ولم ترحم طائفة من هذا البلد ولا من غيره خدمة لأطماعها من كافة الجوانب، وتقول هذه الاوساط ان الهمّ اللبناني الوحيد الذي يجب اعطاء الاولوية له هو الحوار ثم الحوار ووضع الخلافات جانباً لان اسرائيل ومن معها تراقب الساحة اللبنانية والعربية في هذا الشهر الملتهب فعساه يمر دون لهيبه على اللبنانيين الذين يعرفون جيداً ان خلافاتهم الداخلية سوف تستثمرها اسرائيل تمهيداً لموسم القطاف عندها والذي يبدأ بخلاف غيرها في حزيران يونيو الجرح النازف في جسد الأمة العربية ..