واليوم ننيخ رواحلنا عند.. بل تحت قبة البرلمان.. اليوم نمسح الحواجز الشاهقة التي تفصلنا عن قمة يجلس عليها أرفع شخصية في مجلس نواب الوطن.. نخاطب مباشرة مولانا أحمد الطاهر والذي نزن كل كلمة ينطق بها بميزان رقمي بالغ الكفاءة.. عالي التقنية.. كيف لا والرجل الذي يجلس على قمة الجهاز التشريعي والرقابي في كل أنحاء الدنيا هو الذي تؤول إليه مقاليد الحكم وكل الدولة عند غياب رئيس البلاد.. وعندما لا يكون للرئيس نائب أول أو ثاني له.. لذا نأخذ أي حرف ينطق به مأخذ الجد.. ونعرف عندها إلى أي وجهة يسير الوطن وكيف هي تقاسيم وجه الوطن.. وبالأمس حملت الأنباء أن مولانا وعند خطابه لنساء السودان.. طلب من المرأة السودانية أن «تربط الحزام» في مقبل الأيام التي تنذر بالصعاب والعواصف ونقص المال والثمرات.. والذي يقود حتماً إلى نقص الأنفس ذاتها.. قرأت تصريح مولانا.. وفركت عيوني دهشة وعجباً.. ثم أعدت الكرة مرة أخرى فارتد إليّ بصري خاسئاً وهو حسير.. فقد لمعت في ذهني في الوهلة الأولى واللحظة العجلى الخاطفة.. أن مولانا إنما يقصد ذاك الحزام الأنيق والذي يضفي جمالاً وبهاءً ورونقاً على المرأة.. أي امرأة.. فجأة وعيوني «مسمرة» على خطوط الخبر والذي يقول «الطاهر يدعو المرأة إلى ربط الحزام».. طافت بذهني في فرح عاصف معربد رائعة صلاح أحمد إبراهيم «مريا» وذاك الوصف البديع الرصين البليغ.. لخصر تلك اليونانية الفاتنة.. لا شعورياً تراقصت كلمات الأغنية أمام ناظري فطففت أردد همساً.. وحزام في مضيق كلما قلت قصيراً كان الخصر أقصر.. وأهبط من قمة الأولمب.. وأعود مسرعاً للوطن.. حاملاً فرحي وزهوي وجنوني مسرعاً الخطى إلى دار الغناء الشعبي.. وأنا مفتون مجنون ببادي محمد الطيب الذي يصدح.. الكواكب احتفلوا بالقمر.. إلى أن يصل إلى.. والضمير تعب حالتو في خطر.. والضمير هنا.. في عرف شعبنا الطيب الباسل النبيل.. هو ذات «المضيق» الذي يعنيه صلاح أحمد إبراهيم.. وهو الذي يستقر أو يربط فيه الحزام.. وطبعاً «الضمير» هنا لا يعني ذاك.. اختفى تماماً.. بل هرب أو ارتحل بلا عودة.. مغادراً «ناس كتار» من الذين في بلدي يصنعون القرار.. ثم عاد لي عقلي وعاد لي حزني.. بل عاد لي غضبي عندما علمت أن مولانا يقصد بالحزام ذاك الذي بدأ به الإخوة الشيوعيون في سبيل بناء دولتهم التقشف ومجابهة ضنك الحياة.. وتوفير أو الدفاع عن الموارد لبناء الدولة.. فأطلقوا شعارهم المعروف والمشهور «شد الأحزمة على البطون والتضحية بالجيل الحالي في سبيل أجيال لم تولد بعد».. «شفتو» النبل ده كيف.. يا مولانا.. كل الشعب السوداني باستثناء قلة مترفة سعيدة ومحظوظة.. كان قد ربط الحزام على «بطنه» دفاعاً عن الأبناء والأحفاد.. ولم يتبقَ لهم غير ربط «حجر» على تلك البطون الخاوية.. واعلم يا مولانا أن الذين نعتبرهم مترفين ومحظوظين وغنيانين هم الذين «يأكلون» وجبتين في اليوم.. وأحياناً تتقلص الوجبتان إلى وجبة واحدة وهذا من فضل ربنا المنتقم الجبار.. إنك يا مولانا كمن يوصي اليتيم على البكاء.. ولو أمعنت النظر قليلاً في جماهير شعبك لعلمت أن أصغر حزام وأضيق حزام لن يصمد في «بطون» تلاشت وذابت واختفت ولن يصمد أصغر حزام عليها.. «يعني أي حزام سوف «يتملص»... نأمل أن يكون حديثك ووصيتك الغالية هي «للناس الفوق» نذيراً ووعيداً بأن أيام بالغة الشدة والقسوة في انتظارهم.. لنتساوى جميعاً في «البلاء».. وحتى الظلم عندما ينتظم الجميع يكون عدلاً.. وختاماً.. أربطوا الأحزمة أنتم.. أما نحن فلا..