اليوم 26 يونيو هو اليوم العالمي لمكافحة المخدرات هذه الآفة التي أخذت في الانتشار السريع مؤخراً في أرجاء العالم، وأصبحت تمثل تحدياً مشتركاً يواجه كل المجتمعات المتقدمة منها والمتخلفة على حدٍ سواء، وهي آفة شديدة الخطورة ولا تقل خطورتها و تأثيرها السالب على كافة جوانب الحياة عما تخلفه الحروب والكوارث الطبيعية، من آثار مدمرة على كافة مناحي الحياة، لأنها تصيب شريحة الشباب العمود الفقري للتنمية والتطور. والسودان للأسف لم يكن بمنأى عن انتشار ظاهرة تجارة وتعاطي المخدرات، فقد اعترفت الدولة بوجود هذه الظاهرة، ولم تتستر عليها، وهذا الاعتراف كان ضرورياً ومهماً لأنه يعتبر المدخل الصحيح للعلاج، وهذا العلاج تتضافر فيه جهات عديدة في المجتمع ولا يصح أن يوكل إلى جهة واحدة بعينها ولعل من الأخطاء التي يتعين تداركها وتصحيحها هو ذلك الاعتقاد السائد لدى الكثيرين من أن مهمة مكافحة المخدرات حصرية على الشرطة، وبالتالي فهم يلقون اللوم في عدم الحد من انتشار الظاهرة عليها، فإذا تزايدت وصفوا الشرطة بالتقصير في واجبها وحمّلوها المسؤولية، وفي هذا ظلم كبير للشرطة التي تقوم بمجهودات مقدرة ومشهودة في مكافحة هذه الآفة، تستحق عليها الإشادة، ولكن ليس بالشرطة وحدها تكافح المخدرات. والحقيقة التي لا مراء فيها هي أن مكافحة المخدرات تشارك فيها جهات وقطاعات ومؤسسات أخرى عديدة وأن الشرطة هي واحدة من هذه الجهات العديدة، فالأسرة هي الأساس وحجر الزاوية والأهم على الإطلاق ضمن هذه الجهات، فهي أول جهة يمكن أن تكتشف أن أحد أعضائها قد وقع في شراك التعاطي، إذ إنه يمكن لرب الأسرة أو ولي الأمر ملاحظة تلك التغيرات الحتمية التي تظهر في سلوك ابنه أو ابنته عند أول جرعة يتعاطاها، وهو في طور البداية في الأيام الأولى لما يسمي بفترة (التجريب) إذ يتسم سلوك المجرب بالغرابة جراء الشعور بالذنب، وتأنيب الضمير، فيتجنب مجالسة والديه وأفراد أسرته ولا يطيق مبادلتهما النظرات، ويلوذ بالصمت والعزلة، ويكثر من الهروب من البيت، ليقضي ساعات أطول من المعتاد خارج البيت، وهذه المرحلة إذا ما تم اكتشافها مبكراً من أكثر المراحل التي يمكن أن يكون العلاج فيها سهلاً وبسيطاً، فرغم أن المتعاطي يكون قد دخل بالفعل إلى دنيا المخدرات، إلا أنه في عقله الباطن يشعر بوطأة الذنب ويبحث لا شعورياً عمن يمد له يديه ليخرجه، ويحول بينه وبين التوغل داخل هذا العالم الذي يشعر تجاهه بالخوف والتوجس، ومن الجهات الأخرى المؤسسات التعليمية في المراحل الدراسية المختلفة، فهي الأخرى يمكن أن تكتشف الطلاب المتعاطين ودورها يلي دور الأسرة مباشرة فعدم التركيز داخل الفصول وقاعات المحاضرات، وشرود الذهن المتواصل، والتغيب المتكرر، وإهمال الفروض الدراسية، والميل نحو السلوك العدواني، كلها مؤشرات على تعاطي صاحبها للمخدرات.. وبالتالي يجب على المؤسسة التعليمية ممارسة دورها التربوي الذي يجب أن يكون حكيماً وحاسماً في آن واحد، وتلي المؤسسات التعليمية مؤسسات العمل والخدمة الاجتماعية، والمنظمات والهيئات العاملة في هذا المجال، والمنوط بها التعاطي مع الظواهر الاجتماعية السالبة، وقايةً منها أو معالجةً لها، ورأس الرمح فيها وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي، ودورها شديد الأهمية، لأن هناك فئات وشرائح عريضة خارج إطار الأسرة والمؤسسات التعليمية، وهم المتشردون، وهم أكثر الفئات عرضة وقابلية لتعاطي المخدرات، ثم يأتي بعد ذلك دور السلطة التشريعية التي عليها وضع التشريعات المناسبة للحد من ظاهرة تجارة وتعاطي المخدرات بكافة أصنافها، ولابد لهذه التشريعات أن تشدد العقوبة بصفة خاصة في حق ثلاث فئات وهم المهربون، المحترفون، والمروجون، الذين يتخذون الترويج مهنة للتكسب والثراء، والمصنعون الذين يقومون بتصنيع المخدرات وتركيب مكوناتها عن عمد للمتاجرة فيها.. ثم يأتي دور وسائل الإعلام وقادة الرأي العام من الكُتّاب والصحفيين، وأئمة المساجد، والعلماء والمشايخ، وقادة الأحزاب والكيانات السياسية والطائفية، ويأتي بعد كل تلك الجهات آنفة الذكر الشرطة و دورها مفصلي، لذلك يجب التدقيق في اختيار أولئك الذين توكل إليهم مهمة المكافحة من ضباط وأفراد بحيث تتوافر فيهم بالإضافة إلى التأهيل البدني والأمني الصفات الضرورية والمطلوبة للقيام بالمهمة على وجهها الأكمل من إيمان عميق بحرمة المخدرات، وإدراك صحيح وواعٍ لخطورتها وتهديدها للأمن بمفهومه الواسع، وأن يكونوا مخلصين في أدائهم لعملهم وعلى قناعة تامة بأن ما يقومون به هو واجب يؤمنون به، وليس مجرد تكليف روتيني يؤدونه طاعةً للتعليمات، كما يجب على قيادة الشرطة تحفيز هذه الفئة تحفيزاً مجزياً عند كل عملية ناجحة يقومون بها تشجيعاً لهم وللإبقاء على جذوة حماسهم متقدة ودرءاً لاحتمالات حدوث ظواهر سالبة لدى بعض ضعاف النفوس إزاء ضخامة الأرقام، التي يتم تداولها في سوق تجارة المخدرات، كما يجب لتحقيق كفاءة عالية في المكافحة أن يتم تزويد إدارة مكافحة المخدرات بالشرطة بأجهزة مكافحة حديثة، وذات تقنيات وإمكانيات عالية من طائرات مجهزة لهذا الغرض، ومناظير ليلية، وزوارق بحرية سريعة، تستطيع ملاحقة المهربين على السواحل، والمياه الإقليمية، وفي أعالي البحار، ولمراقبة الحدود بشكل مستمر . أما بالنسبة للمتعاطين والمدمنين فهم فئتان، فئة منهم تريد الإصلاح والعلاج وهؤلاء يجب على الدولة أن تعطيهم الأمان، فلا تنظر إليهم باعتبارهم مجرمين مطلوبين للعدالة، وأن تنشئ لهم مراكز متخصصة لمعالجتهم معالجة شاملة، وأن تعاملهم باعتبارهم مرضى يجب معالجتهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم مرة أخرى في المجتمع، وبهذه المناسبة أزجي تحية خالصة لوالي الخرطوم على إعلانه اعتزام حكومته إنشاء مراكز لعلاج مدمني المخدرات، وهي خطوة تستحق الإشادة والتقدير لأنها تعكس فهماً مستنيراً وغير تقليدي لمكافحة هذه الآفة، و نرجو أن تعمم التجربة على بقية الولايات الأخرى، أما الفئة الثانية فهم أولئك المدمنون الذين (مردوا) على الإدمان من أصحاب السوابق المتعددة والمتكررة، والمصرون على التعاطي حتى بعد العلاج وما يسميه القانون ب (العود) فهؤلاء لا مناص من اعتبارهم خطر على المجتمع وبالتالي عزلهم و توقيع أشد العقوبات عليهم.