مولانا الجليل.. سعد.. لك التحايا والتوقير والسلام.. ونكتب لك ولا نجد حرجاً ولا تطاولاً.. ولا قفزاً على حوائط رحابك الشاهقة.. ولا مسحاً لحواجز.. يجب أن تظل بين المواطن العادي.. والعالم الجليل.. أكتب لك في طلاقة حراً من كل قيد.. مع احترام شاهق.. وود باهر.. وزمالة كانت يوماً قد توثقت عراها في حياض صحيفة الحياة.. وإن كنت أطمع أن تصل إلى مراحل الصداقة الراسخة.. أو على الأقل.. الأخوة الحقة.. بالمناسبة أنا لا أكتب حرفاً واحداً.. مخاطباً فيه أي عالم من علماء بلادي مع كامل توقيري واحترامي الفائق لهم.. فقط لأني لا أرى ما يرون.. ولا يرون ما نرى.. ولا يجهدون النفس بأن يجعلونا نرى ما يرون أو يرون ما نرى.. وسبب آخر يجعل قلمي مندفعاً معربداً.. أو متهوراً.. أو سعيداً وهو يكتب لك.. السبب الأول هو أنك مثلنا تماماً.. نحن المواطنين الذين يجابهون الحياة المتجهمة بلا خيل ولا مال.. لا نهديه.. بل نقيم به أود أسرنا وعوائلنا.. كيف ذلك؟ فقد شاهدتك ألف مرة.. وأنت معنا في الحافلات المنهكة ونحن نتكدس سوياً في مقاعدها الضيقة المتعبة.. بل أنت معنا أبداً في محطات «الباصات» والحافلات تتلظى معنا تحت أشعة شمس تذيب حتى الأسفلت.. رغم أنك تحمل من العلم والألقاب ما تنوء بحمله ذاكرة الحاسوب.. لا تدهش يا مولانا.. أنا أحب النجوم والمشائخ الذين يتقاسمون معنا الشقاء ورهق الحياة.. أحب الذين ليس في قلوبهم ذرة من كبر.. السبب الآخر والذي هو أكثر أهمية.. هو أنك شجاع حد بذل الروح في طرح ما تعتقده وتطمئن به روحك ويملأ وجدانك.. وأنا أحب الرجال أو النساء الشجعان الذين يقبضون الجمر.. جمر قضيتهم والجهر بها حتى وإن خالفتهم الرأي والمعتقد.. ولا أقول العقيدة.. بالمناسبة من ضمن نفوري من علماء كثر هو أنهم يحررون لنا شهادات وصكوكاً تدمغنا بالكفر والخروج من الملة.. يصدرونها في خفة وسرعة وكأنهم يشربون جرعة ماء.. ونحن نقول.. بل أنا أقول.. إن مقدار الإسلام الذي يملأ جوانحي لو قسم على أفراد «دار الندوة» لأدخلهم في مظلة الإسلام.. صحيح يا مولانا أنني كم خالفتك الرأي.. وناهضتك الفكرة.. في كثير مما تكتبه «يوماتي» عبر «الانتباهة».. خالفتك وأخالفك حد إثارة الغبار وظلال معركة لا تنقصها إلا السيوف والرماح في موضوع «نيفاشا».. أنت تراها رجساً من عمل الشيطان وطياً لرايات باهرة وماهرة.. تراها شيطاناً رجيماً وإبليساً لعيناً.. وأنا أراها فتحاً وإبهاراً ونصراً.. أخرست بنادق كم مزقت من أجساد.. واطفأت ناراً لها أوار ظلت تأكل في بني وطني.. لخمسين سنة وتزيد.. وطردت دخاناً خانقاً ظل عالقاً في سماء وطن حجب حتى ضياء الشمس.. ثم خالفتك وأخالفك الرأي وأنت ترفض في حزم وعزم وغضب وتصميم.. القرض «الأزمة».. والذي طلبت فيه قبة البرلمان الفتوى.. وهل هناك ضرورات تبيح هذا النوع من المحظورات.. وهو «شبهة الربا».. خالفتك وأخالفك الرأي في أمره.. وإن كنت أحمد لك شجاعتك وبسالتك وجسارتك الجسورة وأنت تتحدث عندما صمت الآخرون من العلماء.. أو على الأقل هرب الآخرون من المواجهة والإفتاء واللقاء.. أنا لست عالماً ولا فقيهاً ولا متفقهاً.. ولكن ولأنني مسلم.. وإن كنت أعلم فقط المعلوم من الدين بالضرورة.. إلا أني أرى أن هذا القرض «بي سجمو ورمادو» إنما هو منقذ أو جسر ضيق ومنعطف يمر به الوطن.. زائداً أنه يحيي أرضاً بعد موات.. ويبث العافية في أجساد مواطنين تيبست.. زائداً أنه يوفر لقمة عيش عزت على ثغور أبناء من الوطن جافاها طعم الطعام.. المهم إن كل ذلك ليس موضوعنا.. موضوعنا- يا مولانا- هو حديثك الأخير عن الغناء والأغاني والمعازف.. ومناشدتك الحارة للأستاذ قدور أن «ينفض» يده من ذاك البرنامج.. وهو الحديث الذي سوف نكتبه لك الأحد.. ثم لك فائق تحياتي.