مولانا الجليل.. محمد بشارة دوسة.. وزير العدل.. لك التحايا والسلام.. وأهنئك.. بهذا الاختيار.. الشاهق الرفيع.. لست أدري ماذا أقول.. في هذا الموضع.. وخيالات من الصور.. تزحم أفقي.. وتتراقص أمام ناظري.. منها.. هل أراك سعيداً بهذا الموقع.. أم أنك وجِل.. وفي خوف عظيم.. من الجلوس في هذا «الكرسي»... أم تراني مشفقاً عليك.. أم تراك.. تكاد ترفض هذه المسئولية.. التي لو عرضت على الجبال.. لاشفقن من هول حملها.. أم أن.. تلك اللوحة.. المدهشة.. والتي.. لم تتكرر في التاريخ.. ولا أظنها تتكرر.. حتى يرث الله الأرض-لوحة- الإمام ابن حنبل.. وهو يرفض ولاية القضاء.. ودفع أثماناً باهظة.. غالية.. وعقوبة.. بربرية ومتوحشة.. حيث مزقت جلد ظهره سياط الحاكم.. ثم تحمل كل تلك الألوان من العذاب.. خوفاً ورعباً من عذاب أكبر وأفدح.. قد يجابهه.. وهو يلي القضاء. مولاي الوزير.. أنا لا أطلب منك التأسي بابن حنبل.. ولا السير في ذات الطريق.. ولا رفض ولاية القضاء.. صحيح.. أنها..أجل الوزارات خطراً.. وأشدها خطورة.. ولكن لا بد لها من قائد.. لا بد لها من وزير.. لا بد لها من متصدٍ.. فتوكل على الله.. واجلس.. في أعلى «كرسي».. في اية دولة.. تحتكم الى شرع الإسلام.. فقد أخبرنا التاريخ.. أن الدولة.. تنجح أو تفشل.. تصح أو تفسد.. حسبما يصدر من أعلى قمة من قممها.. وهو القائم على العدل فيها.. ولأننا لا نرى في كل الوزارات.. من هي أشد خطراً.. وتأثيراً مثل وزارة العدل.. ولأنني.. أحد أفراد الشعب.. وإن شئت قل أحد أفراد «الرعية» أجد لنفسي مطلق الحرية في طي المساحات.. التي تفصل بيني.. وبين مقامكم السامي والشاهق.. وذلك لسبب جد بسيط، وهو أن العدل.. والدولة أصلاً ما قاما إلا لرعاية مصالح وأحوال الأمة.. والتي أنا أحد أفرادها.. لا يهم إن كنت معارضاً.. ولا يهم إن كنت مقاطعاً للانتخابات التي انحدر من رحمها التشكيل الوزاري.. بل ولدت الحكومة.. بعد مخاض الانتخابات.. ولك أن تسأل.. عن جرأتي.. أو قل شجاعتي.. في مخاطبة وزير العدل.. مباشرة.. والأماني الكبيرة في توفير العدل لشخصي.. وأنا في الضفة الأخرى من النهر.. و«عديل كده» في صفوف المعارضة.. هنا أجيبك.. بلسان فصيح.. يستمد فصاحته وشجاعته من الإرث الإسلامي الشامخ الشاهق العظيم.. وتلك اللوحات الثرية الجزلة المترفة.. التي خلدها لنا باهر التاريخ.. والمسك والعنبر.. والصندل.. يفوح في ممرات وطرقات يثرب.. والقصة التي تصلح أن تكون مادة الزامية تدرس في أعظم وأفخم وأعرق الجامعات الحقوقية في العالم الإسلامي.. وحتى ذاك الكافر.. وهي بايجاز: إن مواطناً فرداً من الرعية كان قد قتل أخ الخليفة العادل.. أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. كان الرجل قد قتل بالخطأ.. أخ أمير المؤمنين ثم توالت الأحداث.. وانطوت تلك الحادثة في بطن النسيان، إلا في قلب أمير المؤمنين الذي كان يبغض ذاك الرجل.. من فرط حزنه الجلل على قتل أخيه الذي كان يحبه كثيراً.. وفي لحظة غضب هائلة.. قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لذاك الرجل.. والله إني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم.. وهنا أجاب الرجل الذي لم يفزع ولم يرتعد.. خاطب الرجل أمير المؤمنين قائلاً: ولكن هل هذا يحجب لي حقاً يا أمير المؤمنين؟ لاحظ أن الرجل يطالب بحقه الذي كفله له دستور الدولة الإسلامية العظيم الرحيم.. هنا قال أمير المؤمنين- وفي عظمة خلدها له التاريخ- لا والله.. ذاك لن ينقص من حقك شيئاً.. هنا قال الرجل في فرح: الحمد لله.. ولا بأس فإنما تأسى على الحب النساء.. وبعد كل ذلك ألا ترى لي حقاً في أن أطوي بيداً دونها بيد، تفصل بين موقعكم العالي والشامخ.. وموقعي كمواطن مسكين.. معارض.. وبائس.. وسبب آخر جعلني «اتوكل على الله» وأخاطبك.. وذلك لحسن ظن كبير وآمال عراض.. في شخصك الذي لم اتشرف بمعرفته.. وذلك عندما كتب عنك الأحبة في «المؤتمر الشعبي» كلمات مضيئة، ولامعة، وجميلة في حقكم، وترى أي نوع من الرجال.. من جناح المؤتمرالوطني.. يشيد به الأخوة الأعداء الالداء في المؤتمر الشعبي.. المعادلة.. أو الخلاصة تقول: إنك لا بد أن تكون رجلاً استثنائياً.. ومكمن ظن خير كبير وكثير.. لك ودي.. وغداً.. أقدم لك شكوتي وشكري.. وأخشى أن أقول وصاياي.. حتى لا يصفعني أحدهم.. ساخراً.. ومن أنت لتوصي.. وزير العدل..؟!