مرت الذكرى الثانية والعشرين للإنقاذ الوطني هذه المرة دون مهرجانات سياسية واحتفالات شعبية كما كان يحدث سابقاً.. ربما لانشغال المكان بحرمة حدث تاريخي مؤثر على تاريخ وجغرافية الوطن، مخاض ميلاد دولة جديدة بجنوب السودان. إن المؤتمر الوطني بين يدي الذكرى الثانية والعشرين للإنقاذ الوطني لا بد أن تعكف قيادته وعضويته على الجرد الصادق والأمين لمعطيات المرحلة الماضية وتوظيف مخرجاتها لضبط الخطط والبرامج المستقبلية.. وامتصاص الآثار السالبة لانقسام السودان لدولتين.. إن الوقائع الموضوعية ومؤشرات الرأي العام السوداني العادل تشير للآتي: أولاً: إن المؤتمر الوطني هو الحزب الأكثر تنظيماً وترتيباً تنتظم دورات انعقاده في مواقيتها في شعب الأساس وحتى المؤسسات الاتحادية ويعرض كافة المسائل في كافة الصعد الاجتماعية والسياسية والثقافية وبرؤى فكرية مادية للمجتمع والدولة يأتي على رأسها «الدين» كطاقة روحية كبرى تحفز الناس للبذل والعطاء المأجور في كنف الطهر والاستقامة وكذلك «الحرية» المسؤولة كمركز للنهضة وتحرير الإرادة الإنسانية وتتمثل كذلك في «العدل» الحافظ للتوازن بين الحرية الفردية واستحقاقات الجماعة وكذلك «التضامن والوحدة» لتحقيق الحد الأدنى من الوفاق والتصالح والتراضي الوطني وكذلك «الشورى» و «النصيحة» مما يقوي الرابطة بين الناس ويشعر الفرد بأهميته وقدرته في محيطه ومجتمعه ثم «العلانية» و «الشفافية» كحق أصيل للرأي العام، ثم «النزاهة» كأحسن الوسائل لإقناع المشككين لإخراس ألسنة المرجفين ثم «الرقابة المتبادلة» تعزيزاً لسلطات المجالس التشريعية والرقابية وتمييزاً للسلطات، وأخيراً «الشعبية» التي تعني القدرة على الاتصال الكثيف بالشعب وتمليك الناس الحقائق والمعلومات. ثانياً: إن المؤتمر الوطني هو الأوفر كوادر نافذة ومدربة قادرة على إدارة الشأن السياسي والتنفيذي بالبلاد وقد اكتسبت أيضاً تجربة عملية ثرة وإشراك الآخرين للاستفادة من تجاربهم والتعبير عن التنوع والتعدد في إطار الميراث الثقافي المشترك والهوية الواحدة وتنمية مناخ الحوار، وتمليك المواطنين الحقائق والمستجدات واحترام آراء الآخرين. ثالثاً: إن المؤتمر الوطني يعتبر بشهادة الكثير من أهل السودان هو الأكثر عزيمة ومضاء والأصلب والأقدر على مجابهة التحديات الداخلية والخارجية ويبدو ذلك من خلال القدرة على التعاطي مع صلف الاستكبار الدولي المعتدي على مصالح الشعوب وسلب حقوقها المشروعة ومنازلتها في كافة الميادين والساحات.. العسكرية أو السياسية أو الدبلوماسية أو العدلية ولعل زيارة السيد رئيس الجمهورية التاريخية لإيران والصين أكبر دليل على قوة الإرادة والتصميم على كسر الغطرسة والاستعلاء بالله رب العالمين. كما يتّضح من حرص المؤتمر الوطني على تزويد الحياة السياسية السودانية بتجربة ناضجة وجادة ومسؤولة ويمكن اعتبارها نموذجاً قابلاً للاستعارة من قبل الأحزاب الأخرى التي تستهدف تقويم مسيرتها وإعمار الحياة السياسية السودانية. رابعاً: يعتقد معظم أهل السودان أن استمرار «الإنقاذ» ممثلة في حزبها السياسي المؤتمر الوطني هو الضمانة الأكيدة والضرورية للمحافظة على استقرار السودان وكذلك الوفاء بمقررات الاتفاقيات المختلفة سواء كانت مع المجتمع الدولي أو مع الجماعات المعارضة والحركات المسلحة، ذلك لأن السلام والاستقرار الوطني يعتبر من أهم إنجازات الإنقاذ، باعتباره الخيار الأول والمفتاحي لتحقيق التنمية واستكمال المشروع النهضوي المعلن، قطعاً إنّ من أهم مقررات الاتّفاقيات الوطنية المختلفة وضع السلاح ونبذ الحرب كوسيلة لتولي السلطة والاستعاضة عنها بالتراضي والتداول السلمي للسلطة من خلال إنجاح الانتخابات العامة في البلاد. إن انعطاف الشعب السوداني نحو الإنقاذ و«احتفاءه» بالمؤتمر الوطني للأسباب الحثيثيات التي ذكرناها سالفاً يترب عليه مسؤولية موضوعية وأخلاقية على عاتق الإنقاذ والمؤتمر الوطني يأتي على رأسها. أولاً: رد الاعتبار لهذا الشعب وشكره على تأييده وانعطافه وصبره على الإنقاذ وهي تنتقل به من مرحلة إلى مرحلة بفقه العزائم الصارم وتحمل أخطاءها وتجاوزاتها أحياناً، ويأتي ذلك التقدير والاعتبار للشعب والأمة السودانية بتوفير المزيد من الخدمات الأساسية وأهمها الصحة والتعليم والمياه والكهرباء هذه الأساسيات التي ما زال الحصول عليها مجاناً أو بأسعار زهيدة يواجه مشكلات رغم مرور الوقت والسياسات المعلنة بالتأمين الصحي والقرارات الخاصة بعدم فرض رسوم على طلاب المدارس والوعود المستمرة بالتوسع في شبكات المياه في العاصمة الخرطوم وعواصم الولايات كذلك رغم البشريات والزخم الإعلامي الخاص بتجاوز نقص الكهرباء!! ثانياً: تحويل شعارات تخفيف الفقر ومساعدة الضعفاء إلى واقع، لأجل حياة كريمة وذلك من خلال تفعيل برامج النهضة الزراعية التي ما زال المواطن السوداني يسمع بها ولا يراها، وكذلك من خلال توظيف وتشغيل الخريجين ثمرة ثورة التعليم العالي الذين ضاقت بهم الطرقات وأصاب الأسر الكريمة اليأس وخيبة الأمل من توظيف أبنائهم. تجدر الإشارة هنا مع الأسف إلى أن قضية حقوق العاملين ومخصصاتهم الوظيفية لا تزال من الأجندة العالقة رغم مرور السنوات. ختاماً: لا بد أن يستشعر المؤتمر الوطني مسؤوليته الوطنية في حسن إدارة البلاد وإنقاذ وإصلاح المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية كافة والأخذ بأيدي كل الناس إلى بر الأمان، إن من حق أهل السودان جميعاً أن تفتح لهم أبواب المؤتمر الوطني على مصراعيها ويتيسر لهم التصعيد والترفيع من شعب الأساس حتى أعلى المؤسسات وأن تستوعب طاقاتهم وإمكانياتهم الفكرية وتجاربهم الذاتية وأن ينزل الناس منازلهم، كما يتحتم على الإنقاذ والمؤتمر الوطني أن يتحمل الجميع ويسعهم بروح الأبوة وحق السبق والتأسيس وواقع التمكين والمسؤولية المضاعفة، وأن يفسح في المجالس ويتنازل طوعاً للكوادر النوعية والأحزاب الوطنية والجماعات الخيرية والإصلاحية وذلك من خلال التحالفات السياسية الضرورية وفتح الدوائر كافة، والتجاوز عن بعض شروط العضوية والانتساب للمؤتمر الوطني استكمالاً لبرامج التسديد والمقاربة وتشجيع القوى السياسية المترددة أو الشركاء المتشاكسين إعلاءً للمصلحة العليا للوطن وتفويتاً للفرصة التي يسعى لها المغرضون والمخربون، وكل عام وأنتم بخير.