بدأت مدينة كادوقلي تستعيد عافيتها والحياة بدأت تدب في جسدها من جديد بعد أن أنهكه القصف المكثف الذي تعرضت له مؤخراً من قبل منسوبي الجيش الشعبي والحركة الشعبية من أبناء النوبة بالولاية، والذي راح ضحيته المئات من القتلى وخلّف خسائر كبيرة في الممتلكات الخاصة والعامة، بجانب نزوح أكثر من (41) ألف مواطن. الهدوء النسبي الذي تشهده المدينة حالياً يخالجه شيء من الترقب والحذر تقرأه في عيون المارة من مواطني المدينة، الأسواق فتحت أبوابها من جديد وأسعار السلع مستقرة لحد «ما» ولم تتأثر بحالة الفوضى وعمليات النهب التي تعرض لها بعض التجار والتي تسببت في إغلاق الأسواق زهاء ال(10) أيام، وأرجع المختصون استقرار الأسعار وتوفر السلع، لا سيما الضرورية منها في ظل الظروف التي تمر بها الولاية.. للتدابير التي اتخذتها حكومة جنوب كردفان، بجانب قوافل الدعم التي سيرتها بعض الاتحادات والهيئات والولايات الأخرى والمؤسسات للولاية. المجلس الأعلى للحكم اللامركزي أتاح فرصة غالية وثمينة لمجموعة من الإعلاميين للوقوف ميدانياً على الأوضاع خاصة في هذا الوقت الذي تتمتع فيه المدينة بأجواء خريفية ليؤكد من خلال منبره الدوري الذي نقله أمس الأول على غير العادة لمدينة كادوقلي، هدوء واستقرار المدينة، وما يدعم ويؤكد ذلك الانتشار الكثيف للقوات النظامية داخل وخارج مداخل المدينة والذي يدل على سيطرة الحكومة على الأوضاع، بجانب استعادة المواقع التي كانت تسيطر عليها قوات الجيش الشعبي لحظة اندلاع الحرب. وقبل أن يغادر عبدالعزيز الحلو منزله بكادوقلي ويحتمي بجبل قريب من المنزل وتنشط قواته في زراعة مجموعة من الألغام المضادة للسيارات والبشر، ومع كل ذلك يؤكد مولانا أحمد محمد هارون والي جنوب كردفان عدم إغلاق الباب أمام كل من ينشد السلام والحوار ويتعهد بحماية المنتسبين للحركة والجيش الشعبي من الذين لم ينخرطوا في عمليات عسكرية، ويقول خلال حديثه في المنبر إن مجرد الانتماء للشعبية من أبناء النوبة ليس مبرراً لملاحقتهم، ويكشف الوالي عن عروض كثيرة قدمها الوطني للحركة قبل العملية الانتخابية للمحافظة على الأمن والاستقرار والسلام بالولاية على رأسها مقترح تمديد الفترة الانتقالية، والحركة ترفض وتتمادى في الرفض دون مبرر غير الوصول إلى الغاية التي تنشدها وهي الاستيلاء على الولاية ومن ثم الإطاحة بالنظام القائم لتحقيق أجندة جهات أجنبية عجزت على حد قول العقيد ركن أسامة محمد أحمد عبدالسلام رئيس شعبة الاستخبارات بالفرقة (14) مشاه، من إسقاط الحكومة بشتى السبل، بل ذهب أكثر من ذلك وكشف عن تورط (8) منظمات أجنبية في أحداث الولاية وهي منظمات العون الكنسي النرويجي، والعون الكنسي الدينماركي، و«فار»، ومنظمة جبال النوبة للتنمية والإغاثة «سمارنت برس» وهي منظمة أمريكية، بجانب منظمة المعونة الأمريكية ومنظمة تبشير كنسي، بالإضافة لشركة تعمل في مجال الأغذية مع اليونميس، وأكد وجود أسلحة ومتفجرات داخل مقار هذه المنظمات وقال إنها قدمت معينات لوجستية للحركة، وقامت بإجلاء جرحى الجيش الشعبي من كادوقلي، بالإضافة لذلك كشف العقيد عن اتصالات واجتماعات مكثفة كانت تتم بين الحلو والمنظمات المذكورة قبل اندلاع الحرب، واتهم مولانا هارون هذه المنظمات بأنها جزء من المخطط للمعركة وقال عليها أن تثبت عكس ذلك، وأكد استمرار المعارك بالولاية لدحر جيوب التمرد، وقال إن القوات المسلحة تعمل في مناطق تجمعات العدو وتتقدم بشكل مرضٍ، مشيراً إلى أنها تستطيع تحقيق أهدافها لإضعاف أي قوة عسكرية للتمرد ونفى بشدة وجود أي انشقاقات لأبناء النوبة داخل الجيش، وقال إن هذه الادعادات محاولة للمساس بكيان يمثل خطاً أحمر بالنسبة لهم، وقال إن القوات النظامية بالولاية أبلت بلاءً حسناً في المعارك، مبيناً أن مدينة كادوقلي تعرضت لقصف كثيف من قبل قوات الجيش الشعبي إبان فترة اندلاع الحرب.. وقال إن هناك عدداً من المؤسسات التي لحقت بها أضرار كبيرة جراء المعارك. وفي خطوة مفاجئة وقعت الحكومة أمس الأول بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، اتفاقاً إطارياً مع الحركة الشعبية قطاع الشمال حول الترتيبات الأمنية والسياسية بجنوب كردفان والنيل الأزرق، ونص الاتفاق على أن تكون الحركة الشعبية حزباً سياسياً مسجلاً بجمهورية السودان، وأن لا تكون لها أي علاقة بالجنوب وجيشه، وأن تكون ضمن الترتيبات السياسية داخل السودان.. كما نص الاتفاق على تكوين لجنتين مشتركتين إحداهما أمنية بغرض وضع محددات للاتفاق، على رأسها أن يكون للسودان جيش واحد واستيعاب قوات الحركة الشعبية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى والخدمة المدنية، وتم الاتفاق على النظر خلال شهر من التوقيع عليه لوضع ترتيبات الحكم بجنوب كردفان في إطار الشراكة والترتيبات الدستورية، هذا ما جاء به الاتفاق الذي لم يتعرض من قريب أو بعيد للإشارة لوقف إطلاق النار بين الطرفين في المدى القريب أو البعيد، واستبق هذا الاتفاق مولانا هارون بعدة تساؤلات لابد من الوقوف عندها إذا أراد الطرفان شراكة حقيقية ووضع الأمور في نصابها.. فقد تساءل مولانا هل هذه التفاهمات التي سيتم التوقيع عليها تمثل وجهة نظر عبدالعزيز الحلو من القضية أم لا؟ والسؤال الذي يفرض نفسه.. هل الجهود الحثيثة التي يقودها الفريق مالك عقار لنزع فتيل الأزمة بجنوب كردفان تتماشى ورغبة الحلو.. وماذا يدور الآن في رأس الرجل.. هل يرغب في الاستمرار في التمرد لتحقيق أهدافه أم سيعود لصوابه ويضع يده في يد حكومة الولاية القائمة ويفتح الطرفان صفحة شراكة جديدة لا تقوم على المشاكسات والغدر الذي أول ما يدفع ثمنه المواطن المغلوب على أمره قتلاً وتشريداً وجوعاً وخلافه، وهذه التساؤلات وغيرها سيجيب عليها مقبل الأيام.