في يوم الانفصال -9 يوليو 2011- تلقى بريد «الإضاءات» دعوة أنيقة زين غلافها بخريطة السودان الكبير -من حلفا إلى نمولي- ونثرت عليها صور لموارد البلاد الطبيعية، فوضعت مكعبات الذهب في شرق نهر النيل الشمالي، وقناديل الذرة في الشرق، ولوزات القطن في الوسط، والصمغ والثروة الحيوانية في الغرب- كردفان ودارفور-، والبترول في الجنوب. الدعوة بعث بها الصديق الأستاذ محمد مالك عثمان الناطق الرسمي باسم تجمع الاتحاديين الديمقراطيين، وهي عبارة عن إعلان أو «مينافستو» بأهداف الحزب الجديد، الذي أطلقوا عليه اسم «حزب الوسط العريض»، دعوة موجهة إلى جماهير الشعب السوداني كافة، وإلى تيار الوسط العريض من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وإلى جميع منظمات المجتمع المدني، من عمال ومزارعين ورعاة وتجار، وإلى كافة المثقفين من الجنسين وإلى الشباب والطلاب، وإلى السودانيين في المهاجر الأجنبية، معتبرة أن تشكيل حزب جديد، حزب وسط يسع الجميع يمثل «طوق النجاة»، ويلبي طموح أهل السودان وحلمهم بغدٍ زاهٍ مشرق لوطن تسوده الإلفة والمحبة والديمقراطية الحقة والعدالة والسلام. يقول تجمع الاتحاديين الديمقراطيين، الذي انبثق من رحم الحركة الاتحادية بهدف لم شمل كافة الفصائل الاتحادية وتوحيدها، إنه بذل جهداً مضنياً على مدى سبع سنوات دأباً لوضع نهاية للتشتت والتشرذم وإعادة الوحدة للبيت الاتحادي، لكن ظنه قد خاب وتبدد الأمل في أي وحدة مرتجاة، ليس بسبب اختلاف في الرؤى والمرتكزات الفكرية، ولكن بسبب الأهواء والأطماع الشخصية. ومن هنا بدأ التفكير في إيجاد وعاء جديد يستوعب تلك المبادئ الجليلة المغروسة في صدور الاتحاديين الأحرار.. مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد. في تشخيصه للوضع السياسي الراهن يؤكد إعلان «الحزب العريض» أن السودان يمر حالياً بمرحلة دقيقة ومفصلية وفارقة في تاريخه، وأن للشعب السوداني، شأنه شأن كل الشعوب، أن يحلم ببناء وطن يسوده الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة، وأن ينعم بحياة ديمقراطية مستدامة، تتميز بقدر من الرفاهية تحفظ له عزته وكرامته تحت مظلة نظام ديمقراطي يتناسب مع تنوعه العرقي والديني والثقافي. ولتحقيق ذلك، كان لابد من رؤية مبصرة بشأن مستقبل البلاد ومعالجة جذرية لمعاناة مواطنيها، خصوصاً في ضوء الظروف المعيشية الصعبة واتساع دائرة الفقر والبطالة، نتيجة لسياسات اقتصادية مشوهة أهملت العدالة والبعد الاجتماعي، وغيبت دولة الرعاية. ما قاد إلى تغير وجه السودان وتبدل مسلماته السياسية والجغرافية والتاريخية والاجتماعية والأخلاقية. وتتمثل الرؤية المبصرة للوسط العريض في الحكمة والإرادة السياسية القوية وحسن القيادة باعتبارها مرتكزات ومسلمات الحزب الجديد، الذي يتطلع لتحقيق جملة من الأهداف والمبادئ تأتي في مقدمتها: ü بلورة عقد اجتماعي جديد لكل السودانيين، وبناء دولة مدنية حديثة موحدة يحرسها الدستور والقانون، يكون أساسها حقوق المواطنة والقيم والأعراف السودانية، ويسودها العدل والمساواة والمشاركة السياسية والتمتع بحقوق الإنسان التي نادت بها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية. ü ملء الفراغ الهائل في الوسط السياسي، عبر تجميع كل تيارات الوسط السوداني في حزب وسط عريض، بدلاً عن الفرقة والشتات الذي قسم ظهر الأمة، حزب واضح المعالم والمقاصد مستوعب لكل التنوع والتعدد الذي هو طابع البلاد، وفق برامج وخطط مدروسة، وقائم على المؤسسية والديمقراطية في داخله. ü فتح الباب واسعاً أمام الشباب من الجنسين لارتياد العمل السياسي في مدارجه المختلفة وتأهيلهم لتولي القيادة عن جدارة واقتدار، وهم سداة هذا الحزب ولحمته. ü مكافحة كل أشكال التمييز العرقي والثقافي والديني والنوعي، من أجل إزالة مظاهر الاستلاب الثقافي والاجتماعي. ü الدفاع عن المهمشين في كل أنحاء السودان وأولئك الذين يقفون على الرصيف في انتظار المنقذ، وقد طال بهم الانتظار ويحلمون بسودان تسوده المحبة والعدالة والسلام والتوازن التنموي، باعتبارهم يمثلون الأغلبية وأصحاب الشأن المعنيين. ü إقامة نظام اتحادي فيدرالي مبني على تمثيل كافة الأقاليم في إدارة شؤون الدولة الاتحادية. ü توفير كافة الحريات، حرية التعبير والتجمع والصحافة والإعلام وفصل السلطات واستقلال القضاء والجيش والخدمة المدنية والتعليم العالي. ü إدارة مسألة الجنوب -بالرغم من انفصاله- برؤية استراتيجية واضحة في كل المجالات، والعمل على إزالة الأسباب التي أدت إلى الانفصال، بهدف إعادته، واستعادة وحدة الوطن في أي صورة ممكنة. وتناول الإعلان أيضاً ما أسماه بالتحديات في مجال الهوية والدين، ودعا لتحديد الهوية بمفهومها العصري، هوية تتماشى مع الهوية الربانية والإنسانية باعتبار أن «كلنا خلق الله»، ونادى بهوية سودانية تسع كل الأعراق والسحنات واللهجات والأديان والمعتقدات، وعدم الحجر على رأي أو تمييز أحد على الآخر بسبب معتقداته الدينية أو عرقه أو لونه السياسي، بحيث تصبح «المواطنة» أساساً للحقوق والواجبات وبحيث يصبح الكل سواسية أمام القانون. وأكد على الديمقراطية باعتبارها أكثر النظم السياسية كفاءة في تأمين حياة أفضل للإنسان، وعلى وضع رؤية إستراتيجية وكلية شاملة تستنبط الحلول لكافة مشكلات البلاد وترضي تطلعات مواطنيه، ونادى بتشكيل لجنة من كافة ألوان الطيف السياسي ومنظمات المجتمع المدني والخبراء لتعمل على وضع دستور دائم للبلاد يتوافق مع الأسس الديمقراطية وملبياً لكل طموحات وتطلعات الشعب السوداني، ينال الإجماع من خلال الاستفتاء الحر والنزيه والشفاف. كما أوضحت الدعوة رؤية الحزب المقترح في مسائل الحكم والفلسفة الاقتصادية المطالبة بإعادة النظر في ما هو قائم من سياسات تحرير اقتصادي قادت إلى تراجع دور الدولة الاجتماعي وإغفال الرعاية، من خلال إجراءات إصلاح اقتصادي تقوم على الاقتصاد المختلط المتمثل في إشراف الدولة على أعمدة الاقتصاد الرئيسية مثل البترول والنقل والكهرباء والمياه، وترك باقي الأنشطة الاقتصادية للقطاع الخاص، لا سيما في مجالات الاستثمار الزراعي والصناعي والخدمي. عقب تسلمي لكتيب «الدعوة-الإعلان» اتصلت بالأخ محمد مالك عثمان مستفسراً عن أهم الشخصيات التي تقف وراء الدعوة لحزب الوسط العريض، فذكر لي منهم القاضي السابق والمحامي محمد أحمد أبو عصاية ود. أحمد أبوبكر والأستاذ الجامعي د. عمر يوسف والمستشار الاقتصادي د.أحمد آدم واللواء الصادق مجذوب ود.الأسد الخليفة، ود.عمر محمد علي ومعتصم الطاهر الاتحادي العريق ومدير مكتب الزعيم الأزهري -رحمه الله- وفيصل بشير إمام الخبير الاقتصادي بالأمم المتحدة، وشخصيات من حزب الأمة وشخصيات من اليسار ومن الحركة النقابية السودانية التاريخية. وأوضح الأستاذ محمد مالك أنه انطلاقاً من طبيعة الحزب المنوي تأسيسه، فإن الدعوة مفتوحة للمساهمة الفكرية والحوار حول برنامج الحزب ورؤاه من أجل بلورة أكبر قدر من الإجماع حول صورة الحزب وطرائق عمله وأهدافه.