وتنقل وعبر الأثير.. وموجات الفضاء وعبر صوتها الأنيق.. الأستاذة شادية عربي.. هذه المرأة المسكونة بحب الوطن وعملها.. تنقل رغبة ودعوة فارهة من الدكتور الجاز.. الذي لا تملك إلا أن تحني هامتك إجلالاً وعرفاناً.. لصروح الإبداع والإنجاز الذي رافقه حلاً وترحالاً.. فما فرغ الرجل من دق الصخر حتى أخرج الصخر لنا.. بترولاً وغازاً ونفطاً.. إلا ودفع بالمالية إلى مجرات الحزم والحسم.. ويحط أخيراً رحاله في حقول وفلاة وقلاع الصناعة.. التي بدأ يسمع الناس بها بعد عشرين سنة وتزيد.. بعد أن كانت مجرد أماني وأحلام يقظة.. وقصائد وأناشيد دغدغ بها «شنان» وصحبه مشاعر المواطنين وهو يشدو.. نلبس مما نصنع.. وتا لله.. لو كان في حكومة الإنقاذ عشرة من مثل «الجاز» لكانت الإنقاذ شيئاً غير الذي نشاهد.. ولاستحال علينا نحن الذين ظللنا نناطح صخرها في دأب ومثابرة وتصميم.. فلم نوهنها رغم أن كل أو جل وزرائها لا يحدثونا عن المشاريع والأرقام.. والعمل.. والإنتاج.. فقد تفرغوا تماماً لسب المعارضة.. وشتم الأحزاب.. ومعركة طاحنة ولكنها في الخيال.. والتوهم ضد الاستكبار والصهيونية.. والغرب الكافر.. ثم التهليل والتكبير.. وكيف أنهم أقاموا أو سيقيمون شرع الله.. لا يهم.. المهم أن دعوة الدكتور الجاز.. هي إلى كنانة ذاك الصرح الذي كنت أسمع به وإن كنت قد تذوقت حلاوته سكراً وعسلاً في حلوقنا التي كم.. كم.. تجرعت مرارة الحنظل.. لم أملك غير الهتاف في أذن شادية عربي.. وقبل أن تنطق آخر حرف من الدعوة.. لم أملك غير أن هتفت محبوراً وسعيداً.. لبيك.. لبيك كنانة.. وها هو «يسبقنا الشوق قبل العين».. وطفت أعد عدتي وانتقي أفخر الثياب.. وأنا سأكون في حضرة.. بل خضرة كنانة.. وحتى وقبل أن ترتفع الطائرة.. الانتينوف.. تلك التي صنعها الإخوة الأحبة الرفاق في ذاك الزمان الوسيم.. البديع.. المضيئة حد الألق والإبهار سماؤه.. عندما كان الاتحاد السوفيتي «عظيماً» وقبل أن تجتاحه خيول الردة.. أيضاً.. لا يهم.. المهم أنه وقبل أن ترتفع الطائرة.. كانت تجلجل.. بل تنساب كما نسمات السحر وعبق روائع الزهر.. مقطوعة المدهش الموهوب بشير عباس «القمر في كنانة».. نعم لا شيء كنت أعرفه عن كنانة تلك.. غير روعة المقطوعة الموسيقية.. وبعض معرفة تتمثل في جوالات أو أكياس من السكر.. ودعوني أنسى ما هو كائن.. لأحدثكم عن ما سيكون.. لأني وبعد أن وصلت كنانة.. وبت ليلتين في ديارها الخضراء الفاتنة.. وبعد أن هتفت وأصبحت أكثر سعادة من ذاك الذي تمنى أن يبيت ليلة بوادي القرى.. فهتف.. إني إذاً لسعيد.. أما أنا فقد هتفت صادقاً.. وهل أبيتن ليلة بكنانة.. إني إذاً لسعيد.. والآن الحديث عما سيكون هو أن أطلب من الصديق.. الغالي.. الموسيقار بشير عباس لتغيير اسم المقطوعة لتصبح «الأمل في كنانة».. بدلاً عن «القمر في كنانة».. وصدقوني أحبتي.. إن الأمل أمل انبلاج فجر صناعي.. وزراعي.. وحيواني.. وغذائي.. وتجاري للوطن الجميل.. إن هذا الأمل.. معقود على ناصية «كنانة».. بل تضيء أضواؤه وتتلألأ وتبهر من كنانة.. وإذا أراد الله فجراً.. يبدد سحب اليأس والقنوط.. والفقر.. وقلة الحيلة.. لن يكون غير فجر كنانة.. منها تتسرب أشعة الشمس.. شمس المستقبل.. لتهتك أستار الظلمة.. وتهزم ستائر الظلام.. ونصل أجواء كنانة.. وكابتن الطائرة.. يبشرنا.. بأننا في حالة هبوط تدريجي لمطار كنانة.. ننظر من النافذة.. لأجد أن الأرض ترتدي ثوباً أخضر.. كما السندس واستبرق.. والأرض تنجب في فرح.. من بذور الأرض زرعاً فارع الأعواد.. وتهبط الطائرة.. واللافتة العريضة والبارزة.. تقول مطار كنانة.. وتبدأ الدهشة.. بل تمتليء النفس بالفخر الذي يصل مرحلة التيه والغرور.. شركة تمتلك أو تنشيء مطاراً.. وفي سري أقول.. «دي شركة واللا حكومة».. وهو السطر الأول في الرحلة.. أو هو البيت الأول.. في القصيدة.. والذي هو.. فرح وإيمان وفخر.. وبكرة نتجول في ربوع كنانة..