[email protected] الشاعرة الدكتورة روزمين الصياد خرجت من رحم الفعل الإبداعي ناضجة ونقية وذات أدوات متفردة في كتابة القصيدة الحديثة. ولقد سعدت كثيراً بتحديها لواقع النشر المرير ولمحطات الإحباط الكثيرة في صمت وعطاء لا يكل. والآن صدر لها ديوان جديد بعنوان كَنَائِنُ الْمَوْتِ ..هَشَاشَةُ الْعَسَلْ به بعد إبداعي جديد يحمل نكهتها الرائعة والتي تشير لميلاد مكتمل لهذه الشاعرة المدهشة. قبل الولوج في مرافيء الفرح الجديد لهذه الإصدارة المشرقة والتي سأتناولها في سانحة أخرى أستفيض فيما أدرجته سابقاً بالعالم الأسفيري عن ديوانها الأول (إلى رجل قد يأتي) وأقدمه لأول المرة على الصحف عبر هذا المقال تمهيداً للسفر في فضاء كَنَائِنُ الْمَوْتِ ..هَشَاشَةُ الْعَسَلْ قريباً جداً بإذن الله. فتح النبيذ عروق النشوة ذات مساء استوائي حالم بالدفء ومتكئ على مرافيء الهطول، فاستقبلت حواف الإنتظار ذاكرة طافت على بريد صمت وأغرقت الحضور بعذب الرجاء. وعندما فتحت أبواب الأمل أمام أعين السقاة، أتى كتاب الإلفة يمشي ولهاً على دروب الإنتصار. إلى رجل قد يأتي.. كتاب يحول الحرف لناي يعزف النشيد سيمفونية لدهشة لا تسقط من وتر الحنين الأخير، والندى يلون الورد بهمس الحقول.. والحقول تمتطي صهو المدى الطويل وتفترش الأرض عشباً وانبهار. استلقيت وأنا أحضن لوحة على صفحة الغلاف طالعة من حرير الشفاه وحريقها المعطون بماء الورد وكبرياء الحديقة.. شفاه ووردة حمراء وسندباد.. عتق من نارين ودخان زمان حالم وشهوة امرأة ما لرجل ما قد يأتي عند المغيب بين صلاة العشق والحج إلى ركن جريح بزاوية استطاع إليها البرق سبيلا فطاف سبع وسعى حتى مطلع الهوى بين الجرح والساقية. الإهداء صورة شعرية مكتملة (أمي التي أنجبتني من رحم أختها) و (أمي التي ما زالت تمدني بالحياة عبر حبل التضحيات غير السري). سمو إنساني يجذب المطر من سحاب راحل إلى صحراء النفس فيهطل شهداً على صدر الأماني ويمنح الدمع زرقة السماء والدماء رحيق البحر سوسنة. لا يهم لأي ألوان الطيف السياسي تقرأ فلينين يتحول في شريان الإبداع لرسول الوله الملون بالجنس والعفاف والخريف والدعوة الكريمة لحلم يطول. تغني بصمت لبرهة لقاء يتسلل فيها لينين من دمائها السخية تعلن لشريعة ديكتاتورية أنها ستتلو الآيات والشعر وترتشف الشاي بصمت، فأي إحساس صوفي اليسار واشتراكي اليمين ومزاجي الحضور: لكنها الثورات في خصري، وفي عينيّ.. رغم الجوع، رغم الحرب حية.. ثوراتك باتت، من ثورات الوطن العربي متخمة.. فاترة.. مهزومة وأنا بركان لا يهدأ، ثوراتي لن توأدها قريش ولا أمريكا ولا خمسون شتاء. هي روزمين الصياد، (رسالة ظل) تسكن المرايا وتمنحك وأنت تطالعها على شط الأماسي الزاهية سن غزال ودمية راقصة وواجباً عظيماً تجاه الوطن. وحين تعانق أعينك قصيدة بحجم التوبة يصبح للوطن شموخ الأنثى وكبرياء السماء: اعتقل البحر .. انزع من صدر النيل عرائس كل الزمن الفائت زير نساء ذاك النيل .. كم حبلت من أرض اطفيء تلك النجمات على الشط أشجار النخل بنات الأرض .. مزق نهديّ وكل نتوء خالف قانون القمع ألقيهم في أعماق الجب ولا تتهم الذئب .. هل ستميط الرمل شاهد قبر الريح نخلة من أي ميقات أتيت يا روزمين وأنت تمنحين الجرأة نهج التحدي، وتدثرين المساء بثوب الفجر، والضحى يصلي على فضائك نافلة يتيمة قبل أن يسجد العصر بين الغروب والتشهد وقبل العشاء الأخير! قبل جسدي ضوء القمر رقص.. تغلغل تحت ملامح فرح آت ما يممت الشجر ولكن هو من أقحمني: كرة فضية تتلألأ شوقاً في أعياد الميلاد .. اطعمني كالعصفور اغسلني بالضوء اصهرني دفئاً وبخور امطر صحرائك بعض زحام امطرها بعض سراب هو (العشق النار) الذي يأمرك أن تحب باسم الشعب حين تنتقل من أجيج العاطفة الممزوج بعصير العشب الأخضر وهو يفترش الصمت الناطق بكل أسرار الهوى لتلقى على ذلك الأمر الممهور بختم الشعب تمثالاً نوبياً (وإنا والعشق إليك راجعون). تمضي وانت تسافر بين أجنحة الغيم محطات ساكنة على يقين الثورة برداً وصيفاً ورجاء. وحين تمني النفس الشهوة الطالعة من زمن رحل بين يديك إلى كهوف الموت الصاحي يحلم بالبقاء يتحول خريف العمر إلى واحات اشتهاء فيأتيك ربيع العمر صوت المغني وهو يردد رائعة الشاعر العظيم محمد سعيد العباسي: وقد سلا القلب عن سلمى وجارتها وربما كنت أدعوه فيعصيني ما عذر مثلى فى استسلامه لهوى يا حالة النقص ما بى حاجة بيني ما أنس لا أنس إذ جاءت تعاتبنى فتانة اللحظ ذات الحاجب النوني يا بنت عشرين والأيام مقبلة ماذا تريدين من موعود خمسين ِ؟ قد كان لى قبل اليوم فيك هوى أطيعه وحديث ذو أفانين ِ ولا منى فيك والاشجان زائدة قوم وأحرى بهم ألا يلومونى لكن روزمين تسقط الأسى من عيون شاعر حزين وهي تردد في سحر يفوق السحر حسناً وضياء ووسامة: الأعشاب البيضاء على شعرك أعرفها واحدة واحدة وإلى أي الفصائل النباتية تنتمي وأدرك أنه لن يعود اخضرارها ولن تطرح برتقالاً إلا بمشيئة يداي يا لروعة التعبير وجرأته ويا لشاعرة تنفخ في البحر روح الموج فتلتقيه الشواطيء راضية مرضية. ولو كان البحر مداد حرفك يا روزمين، لجف مداد عشقه قبل أن يخفق بوح الحنين ولأعدت بحرفك الأنيق للبحر شبابه وهو يزداد فحولة كلما أهدته السنين عمراً مديداً وحلماً ومحارة بها أناملك لؤلؤة. مذبوح غدك من السودان إلى لبنان محكوم شعبك أن يدفع صخرة (سيزيف) بيد والأخرى تحرث بأظافرها صخراً لا ينبت سنبلة أو مدرسة أو حتى لفة دخان.. الحق يقال يا روزمين ليس الخالدون على عروشهم ورثة آبار البترول، بل هم الشعراء مثلك حتى ولو (عاش الأمير) أبد الخالدين ودهراً للأبد. فالشعراء وإن اتبعهم الغاوون، فالغاوون امراء الحرب على كل جميل لكن الشعراء استثناهم الفرح حين انتصروا من بعد ما ظلموا، وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون و(كل بنود العار) عليهم من غزة حتى كابول. مدخل للخروج: فتح النبيذ عروقه لهواك والكأس استوى.. والنشوة استرقت حريق مواجعي وضياء حسنك قد روى.. إحساسه المجدول من وجد القصائد رونقاً يا نجمة ملكت تباريح الزمان وما حوىَ..