السادة أصحاب المعالي.. الوزراء.. السفراء.. المدراء.. قادة هذه الأمة البسيطة التي تربت (بالعصيدة والقراصة)، التمر واللبن، لقد انبتت (العصيدة) فينا لحماً يأنف المذلة والمهانة.. وانشزت القراصة فينا عظماً قوياً كالنخيل يشمخ كبرياء.. زادنا التمر ذكاء ( فكل أهل الشمال أذكياء افذاذ) وملأنا اللبن بالفخار والقلوب البيضاء المتسامحة (فهذه هي توليفة أهل السودان). الغريب أن (أصحاب المعالي) قبل أن تبتسم لهم الدنيا.. (كانوا من ذوي اللبن والتمر).. فلماذا عندما اختصهم الله بقضاء حوائج الناس قفلوا موبايلاتهم.. وأوصدوا أبوابهم، وتواروا خلف شركات الأمن التي يقابلك موظف الاستقبال بلباسه الأنيق ووجهه الباسم بتكشيرة (تخفي خلفها كل أسباب المنع والحيلولة دون الوصول إليه).. يسألك عن سبب الزيارة، ويطلب منك ترك الأوراق إن كنت تحمل طلباً بحجة أن (سيادتو) إما مسافر، أو غير موجود، أو في اجتماع، ويسألك سؤال ساذج.. عندك مواعيد؟. يابن الناس إن كنت من ذوي المواعيد فلن أمر عبرك.. ولو كنت أملك رقم موبايل صاحب المعالي لكنت أغنيك عن (الإبتسامة في وجهي بشماتة)، ولو اتصلت بالرقم على فرض أني حصلت عليه، فهل تظن أنه سيرد (وأنا مجرد رقم مجهول الإنسان)، واسمي نكرة لا يعرفه صاحب المعالي، وغير مسجل في (هاتفه الكريم)، وكيف له أن يرد على مواطن عادي يتحرك بالمواصلات من السوق العربي للإستاد.. أعلم أيها المواطن أن طاحونة العمل، وضيق الوقت، وكثرة الأسفار، وتعدد الزوجات، أسباب مهمة تمنعك من رؤية المسؤول إلا في التلفزيون أو على صفحات الصحف!!. السادة أصحاب المعالي أن أعظم دولة في التاريخ دينياً واجتماعياً واقتصادياً أسسها (محمد صلى الله عليه وسلم) بالتواضع والزهد.. من بيوت اللبن والشعر بقمصان مرقعة ودواب يتقاسمها خليفة المؤمنين مع غلمانه.. لأنهم كانوا يعيشون من أجل الناس وفي متناول يد الناس.. أتى أعرابي من مكان بعيد لرؤية الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه بحث عنه، فأشاروا إلى شجرة كان نائماً تحتها (وكان يتوقع أن يجده في قصر وحوله الحرس والرجال..) أسلم الأعرابي وقال.. عدلت فنمت. لقد أقسم كل المسؤولين بالكتاب الكريم عندما تبوأوا هذه المناصب أن يكونوا في خدمة الشعب، ترى كم من هؤلاء يحتاج قسمه لكفارة. زاوية أخيرة: إن الدخول لأي مسؤول في بلادي أصعب من الدخول إلى إسرائيل، فلماذا لا يخصص للمواطن يوم على الأقل في الاسبوع لقضاء الحوائج بلا حواجز أو حرس.. صحيح أننا لسنا في عصر النبوة لكننا في عصر المسؤولين الذين لا يمكن الوصول إليهم حالياً ولا في أي حين!!.