- الشريعة الإسلامية -في رأي الجمهوريين -شريعة مرحلية لا تتصف بصفة الكمال فلا بد من تطورها حتى تصلح لإنسان القرن العشرين. يرى محمود محمد طه أن الشريعة الإسلامية ناقصة، وليست خالدة، وأنها متناقضة مع واقع الحياة اليوم، ولذلك فهي خاضعة لسنة التطور والتجديد حتى تساير العصر وتلبي متطلباته وتلتصق بواقعه. يقول محمود محمد طه في رسالته (الاختلاط) تحت عنوان (تناقضات الشريعة وواقع الحياة) ما نصه: (إن أمر الخروج عن الشريعة التي سلفت الإشارة إليها في مقدمة هذا الكتاب أصبح من فرط التناقض الحاد بين حاجة الناس المتزايدة والمتجددة وحدود الشريعة سمة من سمات هذا العصر الذي تطورت فيه الحياة تطوراً ليس له نظير أو شبيه في تاريخ الحياة على هذا الكوكب، مما يعد طفرة هائلة في عمر الإنسانية تستوجب تشريعاً جديداً يستوعب حاجتها الجديدة، ولما كانت حاجتها الجديدة على النحو الذي وصفت فقد أصبح من الضرورة بمكان النظر في تطوير بعض صور الشريعة الحاضرة لاسيما ما تعلق منها بالمعاملات، وبهذا وحده يحفظ للإسلام مكانته، وللإنسانية أمنها وحريتها حيث أنه لا سبيل لتحقيق الأمن والحرية والسلام إلا بالإسلام، كما أنه ليس من فرصة ليلعب هذا الدور إلا إذا نظرنا في أمر تطوير تشريعه للقرن السابع بما يفي بهذا الغرض وبما يناسب حاجة القرن العشرين). ويقول محمود محمد طه في خطابه الذي أرسله إلى المحامي العام في باكستان بشأن دستور الباكستان والقرآن. (الشريعة الإسلامية ليست خالدة، وأول ما ينبغي التنبيه إليه أن الشريعة الإسلامية ليست خالدة، وإنما هي خاضعة لسنة التطور، وهي لم تكن خالدة لأنها ناقصة، ولا يأتيها النقص من ذاتها وإنما يأتيها من ملابستها، ذلك بأنها جاءت لخدمة مجموعة بعينها مجموعة بدائية بسيطة متخلفة، وقد خدمتها أجل الخدمات فطورتها ورقتها، ثم أصبحت الآن تعيش في مجموعة أكثر تعقيداً، وأكثر تقدماً، وأصبح علينا أن نتخذ من التشريع ما يتلاءم مع حاجة هذه المجموعة... المتقدمة). ويقول محمود محمد طه في مقدمة رسالته (الرسالة الثانية من الإسلام): (من الخطأ الشنيع أن يظن إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح بكل تفاصيلها للتطبيق في القرن العشرين). الرد على هذه الشبهة: لقد بان لنا أن الذي يقوله محمود يقصد به القول بمرحلية الشريعة فهو يرى أن الشريعة الإسلامية لا تصلح لإنسان القرن العشرين ولا بد من تطويرها لأن منها ما شرع خصيصاً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وعندما يتحدث محمود أو أتباعه عن تطوير الشريعة الإسلامية فإنما يقصدون نسخ الشريعة الإسلامية والعمل بالشريعة الجمهورية. ولذلك لأن الشريعة الإسلامية -في رأيهم - قاصرة عن حل مشاكل القرن العشرين ولأن الشريعة الإسلامية ليست هي الإسلام (وإنما هي القدر من الإسلام الذي تنزل لأرض الناس وخاطبهم على قدر عقولهم وحل مشاكلهم في القرن السابع) ولأن الإسلام الحقيقي هو الشريعة الجمهورية التي تنزلت منها الشريعة الإسلامية. وقد أشار الجمهوريون لهذه المسألة في كثير من رسائلهم خاصة(بيت الطاعة المشكلة والحل) و(الشريعة الإسلامية تتعارض مع الدستور الإسلامي) والرسائل التي صنفوها للحديث عن (لجنة تعديل القوانين لتتمشى مع الشريعة الإسلامية) في السودان. ورسالتهم (طوروها حتى تصير جامعة أم درمان). قال محمود محمد طه في مقال له عقب به على أحمد لطفي السيد، وتحدث فيه عن حاجة البشرية لشريعة جديدة: (وسيقول قائل فمن أين للبشرية بهذا القانون!! وسأقول إن هذا القانون هو القرآن... وأريد أن أكون مفهوماً، فإني لا أعني بهذا القانون التشريع الإسلامي الذي يلوكه فقهاء المسلمين اليوم، فإن ذلك التشريع قد كان له يومه.. ولقد كانت له مجموعته، وقد خدم أغراضه، خدمها حتى استنفدها، فلم يبق أمامنا الآن إلا استخلاص ما لا يزال منه صالحاً لمجموعتنا الحاضرة، ثم المُضى في إتمام التشريع على هدى القرآن... وأريد أن أكون مفهوماً أيضاً فإني لا أعني بالتشريع الإسلامي إلا ما يتعلق منه بالعادات دون العبادات. ثم أريد أن أكون مفهوماً للمرة الثالثة فإني لا أعني (بمجموعتنا الحاضرة) مجموعة وطنية، ولا مجموعة عنصرية وإنما هي الإنسانية حيث وجدت). يقول محمود محمد طه عن مرحلية الشريعة الإسلامية في كتابه الرسالة الثانية من الإسلام، ط2. النص الآتي: (ومن هنا لم يكن المجتمع مستعداً ولا كانت المرأة مستعدة ليشرع الإسلام لحقوقها في مستوى ما يريد بها من الخير، وكان لا بد من فترة انتقال أيضاً يتطور في أثنائها النساء والرجال أفراداً، ويتطور المجتمع أيضاً، وهكذا جاء التشريع ليجعل المرأة على نصف الرجل من الميراث، وعلى المرأة الخضوع للرجل أباً أو أخاً أو زوجاً، والحق أن هذا التشريع قفزة للمرأة كبيرة بالمقارنة إلى حظها سابقاً ولكنه مع ذلك دون مراد الدين). كما أن محمود محمد طه قد أشار إلى اعتقاده بمرحلية الشريعة الإسلامية في حديثه عن الشريعة والحقيقة في كتابه (رسائل ومقالات) فقد ذكر أن الشريعة هي الباب الذي يدخل منه الإنسان إلى الحقيقة، والحكمة التي أوجبت أتباع الشريعة هي كونها باب موصل إلى الحقيقة وليس غير ذلك. وقد أخطأ من ظن أن في إمكانه الوصول إلى الحقيقة دون متابعة الشريعة في بداية الأمر، كما أخطأ من ظن أنه وصل إلى الحقيقة ما دام أنه متابع للشريعة، فالشريعة ليست هي الحقيقة، ولا يعني الدخول بباب الشريعة الوصول إلى الحقيقة إذا لم يدخل الإنسان من باب الشريعة، كما لا يعني الوصول إلى الحقيقة من غير باب الشريعة عدم الوصول إلى الحقيقة، فمع أنه لا يصح دخول البيوت إلا من أبوابها إلا أن دخول بيت الحقيقة من غير باب الشريعة لا يعني بطلان الوصول إلى الحقيقة وإنما يعني ذلك أن الداخل للحقيقة من غير باب الشريعة قد عطل عمل الشريعة بعدم جعلها مطية موصلة إلى الحقيقة. ومما لا شك فيه أن حديث محمود عن الحقيقة والشريعة وجعله الشريعة مطية موصلة إلى الحقيقة يمكن للإنسان أن يستغنى عنها يؤكد لنا إيمان محمود بمرحلية الشريعة. والمسألة التي تؤكد وتبين لنا جهل محمود هو اعتقاده بأن هنالك فرقاً بين الشريعة والحقيقة، فالشريعة كلها حقائق، والفرق بين الشريعة والحقيقة لا يوجد إلا في أذهان الجمهوريين لأن كلمة (الحقيقة) عندهم تعني معنى معيناً يختلف عن المعنى الذي يعرفه المسلم، فالوصول إلى الحقيقة عند الجمهوريين يعني انتقال الأفراد من الشريعة الإسلامية إلى شريعتهم الفردية التي يتبعون فيها حريتهم الذاتية الفردية المطلقة - أي هواهم- وهذا بالطبع يمكن الوصول إليه من غير طريق الشريعة الإسلامية، بل طريق الشريعة لا يوصل إلى الحقيقة الجمهورية وإن آمن الناس بأنها مطية، فالوصول إلى الحقيقة الجمهورية يكون عن طريق أتباع الفلسفة الوجودية - في رأينا -. فالذي يتبع الشريعة لتوصله إلى حقيقة مخالفة لها مخدوع وجاهل بحقيقة الشريعة قال ابن عقيل (جعلت الصوفية الشريعة اسماً، وقالوا المراد منها الحقيقة، قال: وهذا قبيح لأن الشريعة وضعها الحق لصالح الخلق وتعبداتهم فما الحقيقة بعد هذا سوى شيء واقع في النفس من إلقاء الشياطين، وكل من رام الحقيقة في غير الشريعة فمغرور مخدوع وعن سهل بن عبد الله أنه قال أحفظوا السواد على البياض فما أحد ترك الظاهر حتى تزندق) وعن سهل بن عبد الله أنه قال: ما من طريق إلى الله أفضل من العلم، فإن عدلت عن طريق العلم خطوة تهت في الظلمات أربعين صباحاً وعن أبي بكر الدقاق: قال سمعت أبا سعيد الخراز يقول كل باطن يخالف ظاهر فهو باطل.