والله ما كنتُ أحسب أن الشخصية السودانية العامة هي شخصية (معقدة) و(صعبة) إلى أبعد حدود (التعقيد) و(الصعوبة) إلا بعد أن ظللت على مدى يومين متتاليين أتابع - غصباً عني - حوارين أحدهما إذاعي أجرته الأستاذة روضة الحاج مع الدكتور مضوي الترابي والثاني تلفزيوني بثته قناة «إيبوني» مع الأستاذ فاروق أبو عيسى، وقد كان ما ذهب إليه الدكتور مضوي الترابي هو الأقرب للعقل والمنطق، بينما كان الذي ذهب إليه الأستاذ فاروق أبو عيسى عبارة عن تهويمات سياسية وأحلام صبغتها الانتماءات الفكرية وحددت مسارها وطريقها الذي يفضي إلى العدم واللاشئ. أبو عيسى ناقد لكل الأوضاع وناقم على كل الأحزاب وقادتها بينما الدكتور مضوي كان موضوعياً يرى ألا نحاكم آباءنا من السياسيين بمفاهيم عصرنا الحالية وألا نحاول رسم مسار الأجيال القادمة لأن هذا لا يتسق مع المنطق ولا حرية التفكير والتدبير. نحن في حاجة لأن نعقد أكثر من ندوة ومؤتمر وورشة عمل للبحث في هذا الأمر (الهين) (الصعب) في آن حتى نتفق على أرضية واحدة ومشتركة تجمع بيننا، لأن تجربة انفصال الجنوب كافية لنتعلم منها، وإن كنت لا أتفق مع الدكتور مضوي الترابي الذي يؤكد ويجزم بأن الجنوب عائد لا محالة واختلافي معه يقوم على ركيزتين، الأولى أن المكون الثقافي المشترك بيننا وبين الجنوب يكاد يكون مفقوداً، والثاني أن خيار الوحدة سيكون في يد الشماليين بعد أن كان خيار الانفصال بيد الجنوبيين، ولا أحسب أن مواطناً شمالياً (عاقلاً) لم يتعلم الدرس من استمرار وحدة قسرية كانت مثل زواج الإكراه تضرر منها الشمال في حالتي السلم والحرب معاً. الموضوع كبير وخطير ويستحق أن تهتم به مراكز البحوث والكليات المتخصصة في الدراسات الاجتماعية والإنسانية بالجامعات السودانية وقد سعدت كثيراً عندما سجلت زيارة لجامعة المغتربين الوليدة، والتقيت فيها بالبروفيسور عبدالوهاب أحمد عبد الرحمن، مساعد المدير للبحث العلمي والعلاقات الخارجية، ووجدت أن هذا الأمر يشغله ويستغرقه ويأخذ كل وقته تقريباً إلى الدرجة التي جعلته يعكف لسنوات طويلة يبحث ويدرس ويقارن ويناقش موضوع الشخصية السودانية ليخرج علينا في نهاية الأمر بكتاب ضخم - لم ير النور بعد - يحمل عنوان : (نحو إعادة بناء الشخصية السودانية) مستنداً على تعريف (الشخصية) بأنها: ظاهرة اجتماعية نفسية حضارية تتكون وتترسب في كل قطر من أقطار العالم عبر أجيال طويلة. وأنها أيضاً مجموع العناصر والسمات النفسانية والاجتماعية والحضارية التي يشترك فيها أفراد المجتمع وتكون قاسماً مشتركاً بين جميع أهله لتصبح مصطلحاً يطلق على الصورة التي تكشف سلوك الفرد وتميزه عن غيره، أي أنها الصورة التي تحدد سمات وصفات الفرد وعاداته وتقاليده، وأفكاره ومفاهيمه واهتماماته وسلوكه وأسلوبه ونهجه، وأهدافه في الحياة. اتفقت مع البروفيسور عبدالوهاب أحمد عبدالرحمن على أن يكتب لنا سلسلة من المقالات حول هذا الأمر بعيداً عن رؤية بعض السياسيين الذين يسوقون لأفكارهم دون إتاحة الفرصة لأفكار الغير مثل ما فعل السيد أبو عيسى، ونحسب أننا سنكسب كثيراً وقراء (آخرلحظة) أيضاً إذا ما وافق البروف .