* للأستاذ الدكتور عبد الوهاب أحمد عبد الرحمن بحث قيَّم عن الشخصية السودانية: مالها وما عليها أصدره من منبر التخطيط الإستراتيجي التابع للمجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي بوزارة رئاسة مجلس الوزراء في نوفمبر 2008م.. واطلعت عليه وهو مخطوطة ولا أدري إن كان البروف قد تمكن من إصداره ونشره في كتاب أم لا مثلما أنني لا أعرف الآن موقع المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي في خارطة الحكومة العريضة.. ولأية وزارة يتبع!! البحث القيَّم عن الشخصية السودانية سيكون هو المرجع الرئيس لما سأكتب وتقتضي أمانة النقل والبحث تثبيت المصادر .. بما يتعارض مع الكتابة الصحفية التي تتطلب غير ذلك ولكنني أشير إلى الأساتذة.. السيد ياسين.. وعلى الوردي.. وعاطف وصفي .. وحليم بركات.. وهاشم شرابي.. وأحمد إبراهيم اليوسف.. وماجد عرسان الكيلاني.. وعبد الله على إبراهيم.. ومحمد محمد على.. ومحمد إبراهيم نقد.. محمد أبوالقاسم حاج حمد.. حسن أحمد إبراهيم.. وعبد الرحمن بن خلدون.. ومحمد أحمد المحجوب.. ومحمد عوده. وما كتبوه في هذا المجال.. وقد عُرِّفت الشخصية الوطنية أو القومية «National Character» بأنْها ظاهرة تاريخية إجتماعية نفسية حضارية تتكون وتترسب في كل قطر من أقطار العالم عبر أجيال طويلة.. فهي مجموع العناصر النفسانية التي يشترك فيها كل أفراد ذلك المجتمع باسلوب معيَّن ينسج بمقتضاه كل فردٍ منه نمط حياته.. ويُستخدم مصطلح الشخصية الوطنية أو القومية بوجهٍ عام لوصف السمات النفسية والإجتماعية والحضارية لأمةٍ ما بما يمكن عن طريقها التمييز بين هذه الأمة وغيرها من الأمم.. بالرغم من أنه من المستحيل إختزال صفات شعب أو أمة بأكملها في صفة أو سمت واحد إلا أن هناك صفات ملتصقة ببعض الشعوب لا تنفك عنها كأن يُوصف الإنجليز بالبرود.. والإسكتلنديون بالبخل.. والإيرلنديون بالغباء.. والسويسريون بالدِّقة.. واليابانيون بالتهذيب.. والمصريون بالفهلوة.. والألمان بالتعصب.. والأسبان بالعنف.. والسودانيون بالكسل. وإذا أجرينا مثل هذه التعميمات الظالمة على مكونات المجتمع السوداني فإننا نتحدث فنقول الرباطاب سحارين.. والشكرية ممهولين.. والجعليين عُوَرَه.. والمسيرية لُففا والشايقية غُتتا.. والحلفاويون ماعندهم دين.. والحلب خوافين وهكذا بلا دليل ولا هدى ولا كتاب منير .. وقد أثار مقال صديقي العزيز د.عبد اللطيف سعيد عن التضامن النيلي حراكاً واسعاً في الوسط الصحفي بين مؤيد ومعارض وهذا عين ما قصده «جاري في الصحيفة بالناصية الثانية» فأوضح في مقاله الثاني .. ماذا أعني بالتضامن النيلي ؟.. قائلاً :- «ومن الصعب أن نصنف هذا التضامن النيلي في مصفوفة قبلية صارمة لأنه عبارة عن قبائل مختلفة عنصراً ومرجعاً وإن إتحدت موقعاً جغرافياً وثقافياً».. ود. عبد اللطيف لا يلقي القول جزافاً ولكنه يؤكد بأنه يصف حالة سياسية وإجتماعية وإقتصادية ماثلة في أرض الواقع لا مجال فيها للتأييد أو المعارضة.. ويرى أن لو توفرت العوامل التي توفرت للتضامن النيلي لغيره من التركيبات السكانية الأخرى لانتقلت إليها القيادة.. وهو لا يعتبر هذا التضامن شراً محضاً ولا خيراً محضاً لأن التضامن والتعاون من حيث المبدأ «أمرٌ حسن ومطلوبٌ في البر والتقوى ومنهيٌ عنه في الإثم والعدوان.. * ويرى البروفسير عبد الوهاب وجود ثلاثة أنماط للشخصية السودانية وهي «البدوية والريفية والحضرية» ومع أن تغييراً كبيراً قد حدث نتيجة إستقرارهم في الأرياف والقرى والمدن إلا أن هذا التغيير لم يتجاوز السطحية لأنهم ظلَّوا في دواخلهم بدواً خُلَّصاً متمسكين بقيم ومفاهيم وعادات البداوه كالكرم والمروءة والإعتزاز بالذات والافتخار بالقبيلة والتنافس على الرئاسة وطلب السمعة الحسنة وصون الشرف والذود عن الحِمى والإرتباط الوثيق بالعائلة الممتدة والعشيرة والقبيلة وقد إكتسبت الشخصية السودانية من التداخل والإختلاط والمصاهرة والتعايش طابعاً هجيناً مَّيزها عن محيطها العربي والأفريقي فإتصفت بالتسامح والتواضع الزهد والقناعة والتراحم والإيثار والإعتدال وغيرها من الصفات .. وقد أفرد البروف باباً كاملاً عن الجوانب السلبية وجعل أعلاها عدم الإنصهار في بوتقة الوطن الواحد وعدم إحترام وتقدير رموزه الوطنية وسيادة الإنتماءات القبلية والطائفية والجهوية وكثرة التذمر والتضجر والسخط العام.. والنزعات الشخصية.. والعشوائية بإنعدام التخطيط والتنظيم على المستويات كافة.. والإتكالية وعدم إحترام قيمة الوقت والمحاكاة والتقليد. الإندفاع نحو الإستهلاك والميل إلى الإسترخاء والمبالغة في المجاملات الإجتماعية.. وإختراق الخصوصية في الحياة الأسرية.. والتشبث بالرئاسة والزعامة لا سيما في الأحزاب السياسية رغم تقدم وكبر السن وعدم القدرة على التجديد والتحديث والمواكبة!!.. ويستمر البروف في تعديد السلبيات حتى قُلت : ليته سكت.. وأعتقد أن التضامن النيلي إلذي عناه د. عبد اللطيف لا تضامن ولا حاجة!! جات كده وخلاص وليس هذا تثبيطاً لهمة الدكتور الهمام.. ولا هو تبخيس لجهده المقدر في إصلاح الحال وأنا مع دعوة د.حسن مكي لعقد «مؤتمر عن الشخصية السودانية ما لها وما عليها.» * وليس بعيداً عن هذا الموضوع كتب صديقي الشريف عبد العظيم صالح بآخر لحظة في سياق حديثه عن الهجره الكثيفة نحو العاصمة «بمبرراتها» ويقول مقارناً:- «فالهجره لأم درمان مثلاً كانت ناعمة.. ويندمج المهاجر في مجتمعه الجديد بيُسر ولا يترك فراغاً عريضاً هناك.» فلو ضرب عبد العظيم مثالاً غير «أم درمان» لأصاب الحقيقة لكن الهجرة لأم درمان كانت عنيفة جداً وتركت فراغاً هناك سواءً أن كانت الهجره الأولى أيام دولة المهدية أو الهجرة الثانية أيام الجفاف والتصحر .. والناس أحرار في أوطانهم يهاجرون حيث يشاءون.. و ذلك مبحث آخر . وهذا هو المفروض