إنه دعاء العرفان والأمل يترطب به لسان كل امرئ تبدت عليه وكسته مفرحات النعم.. فوقفنا نحن جميعاً ننتظر الامساك صباحاً بالجوارح وسياحة المعاني وافتخاراً بالتكليف (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم..) مذعنين لقوله تعالى الآخر (...فمن شهد منكم الشهر فليصمه...) ومن ثم تابع الناس (شعبان) المفضي لرمضان، وقد وازاه شهر يوليو)- أي شعبان ووازاه في تعاقبات العقود الزمانية (فبراير) أو غيره.. زماناً فزماناً فمثلما نذكر نحن في الخرطوم وأن فيضانات قد غمرتنا في شهر أغسطس أي شهر ثمانية في سنة ثمانية وثمانين وتسعمائة وألف، فكانت حينها ثلاثية الثمانينات الغامرة، وهو ابتلاء شددنا الحزمة، وعقدنا الأكف وآزرنا اللواء الفاتح عبدون معتمد (والي) العاصمة القومية وقتها، وهي فيضانات نيلية قومية حتى نزلت بنا الطائرة بمروي ودنقلا يتقدم الركب المشير سوار الذهب.. أما اليوم فقد توافق وترافق أغسطس ورمضان يوماً بيوم، فاستهلت الأمة رمضان في يوم الاثنين النابه من العام الهجري (1432ه كما استهل أغسطس أيامه بالاثنين أيضاً لعام الوقفات 2011م، إلا أن مدفع السباق قد أُطلق.. وهما متساويان في البداية لكن رمضان سيصل ميدان (الزينة) قبل صاحبه، لسرعة الخطى والاهتمام والتشجيع الداوي من الراصدين والمتابعين والمعجبين، عسى أن يأتونا مسلمين (فصوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاكملوا شعبان ثلاثين يوماً) ولكن صاحبهما أغسطس هو واحد وثلاثون يوماً، فهذه مترادفات وأغسطس هو شهر الأمطار الغزيرة الهاطلة بالسودان، وفيه كما نقول (السراية) و(أم دالوق) أي المستمرة ليلاً كله والغزيرة الحابسة، وكنا في بعض العقود إذ تتسابق الأمطار منذ أبريل أو مايو فإننا نحصد بعض المحاصيل في أنحاء السودان الماطرة نهايات أغسطس، ويبدأون الزراعة لثلاثة أشهر أخرى، فتكون النعمة قد تضاعفت مرتين في خريف واحد، أما طقسنا فمتعة لا تجارى ولا يماثلها إلا ما ندر من بلاد الله، واذكر اننا حين نتحرك بسيارة (اللاندكروزر) القوية نتحرك من المجلد ميممين ضاحية أبيي في شهر الخريف هذا لا يرافقنا إلا التراكتور ذلك اذا غطس اللاندكروزر في بعض الأودية والمنخفضات لايخرجها وينتشلها الا التراكتور بقوته وعلو لساتكه، فإن تحركنا عصراً نقضي الليل كله فنصل أبيي الثامنة صباحاً بدلاً عن (ثلاث) ساعات المجلد /أبيي..لكن اليوم فالردميات تنتظر فقط (الأسفلت) إذ في سويعات قليلات تدخل أنت مدينة (أبيي).. كل هذا نثبته للمقارنات وأخذ التجربة والبرهان، وما يرد الينا من أنباء المدن والقرى والبوادي، أن طبيعة السودان آخذة في التقلبات والتغيرات لأن الحكمة الرقابية والتحسبية تقول (إذا لقي الرجل منكم الرجل فليسأله عن اسمه وممن هو والى أين) ولعلها تكون نذر خير، لأن النية هي الاصلاح ما استطعنا الى ذلك سبيلا، ولعل التفاؤل هو أحد الاشارات الإيجابية فإذا قلنا إن النيل في جريانه المفيد، وكان يجري ويصب في قيعان ومحيطات أخرى ففي مصر رشدت مياهه وفي السودان كان هناك سد مروي، وقبل ذلك كان خزان الرصيرص وجبل أولياء، وقد يكون غداً غير ذلك، فهذا من الماء والماء مفرح أينما حلَّ، فبالأمس (الثلاثاء) ثاني أيام رمضان خرجنا من جلسة طويلة (السادسة) لنلفى وندرك الافطار في حلقاتنا بالأحياء، فما صعدنا كبري جامعة الخرطوم حتى انهمرت علينا سواقط المطر، فلم تستطع السيارة الحراك إلا بتشغيل (المنشات) بالسرعة المتلاحقة ليرى السائق طريقه بتمهل، ولما أدركنا منازلنا كانت السرعة بالأرجل لدخول المنازل ليتناول كل صائم افطاره داخل منزله، بسبب غزارة المطر والحمد لله رب العالمين إنها لنعمة.. ثم تماسكت السماء حتى اذا ما خرجنا لصلاة العشاء والتراويح إذا بالرذاذ من جديد، ونحن داخل المسجد نؤدي الصلاة، أما حين خرجنا لبيوتنا فبعضنا يحمل حذاءه ليسير خائضاً الماء، وكشفت كل امرأة عن ساقيها لأختها وهن يخضن اللجج وهم كلهم فرحين بذلك مستبشرين على أداء الصلاة ونعومة الطقس وكل هذا في شهر التعبد والصيام.. أيضاً رجع بي هذا الى يوم كنا نؤدي صلاة الجمعة في خلاوي أبوقرون بشرق النيل، حين انهمرت السماء فلم نغادر المسجد إلا بعد صلاة العصر، ولما توجهنا عائدين للعيلفون ثم الى الحاج يوسف فبحري كنا نخوض المستنقعات خوضاً وحيناً نتوقف لنجد للسيارة مخرجاً، ولم يكن وقتها قد رأت هذه الديار الدميات والأسفلت فما أشبه أمطار اليوم بالبارحة؟ فهل لنا أن نقول إن هذه مقدمات لخيرات مترادفات لأننا سلكنا طرقاً تؤدي لراحة البال ولبس (النعال)، لأن الله تعالى قال لنا (ولو ان أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) فهل لنا أن نقول بإن 9/7/2011 هي فاصلة أتى بها الله ليميز الناس بين الخبيث والطيب، ويتبينوا الغث من السمين، حتى إذا رأوا متبرجة يلتصق بنطالها بجسدها تأففوا من ذلك و(نهروها)، لأنهم يرونه منكراً، فيرفعوا بذلك فحوى الحديث الشريف (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) هذا لأن فترة وزمان الارتخاء (النيفاشي) قد انقضى (أي ست سنوات) حيث كنا نداري هذا بهذا وصرنا اليوم 97% مسلمين، وسنسد هذه الزاوية الصغيرة فتعلو نسبة المسلمين الى 99.5% بإذن الله ثم، أن الخمر كما أراقها المرحوم جعفر نميري الرئيس وأعانه عليها قوم صادقون سوف لن تأتي- أي الخمر- مرة أخرى وهل اننا سندرك صحيح الآية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) واننا نعد ونعلم أبناءنا السباحة والرماية ونأمرهم ليثبوا على ظهور الخيل وثباً، وأننا جملة نعلي من مكارم الأخلاق، وكما كنا في دول أخرى نرعى أسرنا في البيوت حتى لا تطغى عليهم القنوات الماجنة، وهنا اليوم مثلما نراقب ونرشد، هل نقوم باجرة الابتكارات وإجادة السباق في مجالات وتحديات الحياة كلها، لأن مجاهدينا قالوا لنا:(ما ينوم) وهل ننتبه الى أن الصهيونية قد بنت لها بيتاً في جوبا وأقامت لنفسها سفارة لصناعة الأخاديد، وتوجيه الصواريخ العابرة للخرطوم وعطبرة والفاشر والقضارف ومدن أخرى، هل كل هذا استشعار وتنبيه مبكر وكما قلت لكم(السعيد من اتعظ بغيره)، وهل هذه البوارق والرياح والنسائم واتحاد الأكف والأنفس وشعورنا (بالأسلمة) هل هذا بعد سحب وأمطار 9/7/2011 الهاطلة الممطرة التي أدفأت القلوب وارتفعت بالقلوب والحناجر.. فوالله لن نرجع للوراء، واللهم قد أنعمت علينا فاحفظنا وزدنا والله أكبر.