رحم الله أستاذنا علي بن أحمد أو «علي بن» إن كان حياً أو ميتاً فقد مضت سنوات عديدة منذ أن فارقناه في مدرسة أمدرمان الأميرية الوسطى، التي كنا ندرس بها ونتلقى العلم على أيادي أساتذة أفاضل كرام، من بينهم الأستاذ علي بن أحمد أو كما كان يحب أن يكون اسمه هكذا، أو «علي بن» اختصاراً، وكان معلماً حاذقاً محباً لعمله حبب إلينا اللغة الانجليزية والأدب الأنجليزي وتعرفنا من خلاله على عدد من كبار الأدباء والروائيين الانجليز الذين كنا ندرس رواياتهم «المبسطة» ضمن المقرر الدراسي الرسمي.. وكان استاذنا الجليل يخرج بنا عن أطر تلك المقررات ليقدم لنا ما يمكن أن يكون ثقافة عامة ويسعى لأن نحفظ الأشعار الانجليزية التي يحببها إلينا باللحن والأداء الجيد.. ومن بينها قصيدة مشهورة هي (لندن تحترق) التي لازلت أذكر مطلعها الأول الذي يقول:- London is Burning and we have no water Fire.. Fire.. Fire التي تعني الآتي:- لندن تحترق وليس لدينا ماء النار.. النار.. النار كنا نطرب لطريقة إلقاء استاذنا الجليل علي بن أحمد ونحاول تقليده، لكننا نقر في دواخلنا أن حريق لندن التاريخي إبان ما عرف بثورة كروميل المولود في 1599م والمتوفى في 1658م الذي استطاع استصدار أمر من البرلمان بأغلبية الأعضاء بالحكم بإعدام الملك شارل الأول في يناير عام 1649م ثم قاد حملة تأديبية على ايرلندا وقمع ثورتها بوحشية لم يسبق لها مثيل، ليصبح أقوى رجل في البلاد، وقضى على الملكية ليحول انجلترا إلى جمهورية ووضع دستوراً جديداً، وظل حاكماً مطلق اليد إلى أن توفي عام 1658م لتعيش بريطانيا أقصر فترة حكم جمهوري في تاريخها. أعود وأقول بأننا كنا نقر في دواخلنا بأن حريق لندن التاريخي هو (شئ من الماضي) لن يعود أو يتكرر، وكنا نضع بريطانيا في مصاف الدول الراسخة المستقرة التي لا يحدث فيها ما يحدث عندنا .. ثم مرت السنوات وكبرنا وعلمنا أن الصورة الذهنية المبنية على (الميديا) من إذاعة وتلفزيون وسينما لا تكون دائماً صحيحة وقد أثبتت الأحداث المؤسفة التي تعيشها «لندن» وعدد من المدن الانجليزية صحة ما ذهبنا إليه.. لندن الآن تحترق.. وليس لدى «كاميرون» ومن معه ماء.