قبل الشروع في تناول موضوع الإسلام في جبال النوبة، لابد من التعرض لمسألة الوثنية، فهناك خلط وسوء فهم حولها، فليس هناك عبادة أصنام في جبال النوبة وإنما تطلق الوثنية إشارة إلى ظاهرة الكجور وهو ليس كائناً معبوداً، بل هو عادي.. غالباً ما يكون متقدماً في السن وهو له صلة قوية روحية بينه وبين الله يمكن أن يحقق بعض الأشياء كإنزال المطر، وإزهاق الأرواح، وشفاء المرضى، وإنزال الصاعقة في رأس الظالمين، وهداية الناس إلى الطريق المستقيم، وإحضار الإنسان الذي تاه عن أهله، وهو المسؤول عن تنظيم أكل المحصولات الجديدة لا يأكلونها إلا بإذن منه بعد أن يسبرها وهي عادة تصب في دائرة التنظيم، والكجور يجد مناخاً ملائماً في أوساط المجتمعات المتخلفة غير المتعلمة وما أكثر مثل هذه المجتمعات في جبال النوبة. الجدير بالذكر أن كثيرين ممن يتعلمون يأدون صلواتهم وصيامهم، بل إن بعضاً من الكجرة أخذ في الاندثار والانقراض في أغلب مناطق جبال النوبة، وترجع طقوس الكجور للديانة البوذية في الهند وهي ظهرت في عهد الحضارة الكوشية القديمة. أما بالنسبة للدين الإسلامي فإنه دخل مناطق الجبال قبل أكثر من قرن من الزمان، والشاهد على ذلك قيام ممالك إسلامية في المنطقة أهمها جبال تقلي التي كانت سنداً قوياً لدعوة المهدية، لقد كان البقارة والشيوخ أمثال الشيخ محمد البرناوي والشيخ محمد الأمين القرشي والشيخ علي الميراوي في ميري، وعدة شيوخ، كان لهم الفضل في دخول الإسلام إلى المنطقة ولكن ظل تأثير الإسلام محدوداً لمحدودية الوعي والالتزام الإسلامي عند قبائل البقارة نفسها، وكذلك لوجود قانون المناطق المقفولة الذي أصدرته الحكومة الإنجليزية عام 1922م، وكان الهدف الأول والأساسي من إصداره وقف المد الإسلامي في مناطق الجبال. لقد كان لتواصل النوبة والعناصر المسلمة في المدن التي كان يهاجر إليها النوبة، وكذلك هجرة التجار وموظفي الحكومة ورجالات الطرق الصوفية إلى مناطق الجبال، دور أساسي في تنمية الإسلام وانتشاره، وفي هذا المضمار لابد من الإشادة بجهود رجل الصوفية الشيخ محمد الأمين القرشي في نشر الإسلام في أواسط قبائل الجبال، والشيخ محمد البرناوي في تلودي، والشيخ عبد الرحيم ود رشاش «الما غشاش» في جبال تقلي، والشيخ كوكو الفن في جبال الكواليب أم برمبيطة، والشيخ كنده أندلي في أم برمبيطة وهو أخذ الشياخة من الشيخ محمد البرناوي والشيخ عبد الرحيم رشاش في تقلي، وهم يتبعون للطريقة القادرية على يد الشيخ محمد البرناوي، والتحية للشيخ محمد أفندي «اللكاب»، والشيخ علي أفندي من كوجنا ومجموعتهم الخاصة بالنوبة في إحياء ذكر الله، والتحية لأبناء الكواليب في نصرة الله والدين والوطن، والتحية للشيخ علي أفندي وحجر أفندي من الكرنك ومجموعتهم الخاص بالنوبة في إحياء ذكر الله، والتحية للشيخ دبة برام وحواره في حجير أم برمبيطة في نشر الدين والثقافة الإسلامية في المنطقة، والتحية لشيوخ دلامي في نشر الدين الإسلامي. كما لعب التعليم النظامي دوراً في تغلغل الإسلام في شعب النوبة وعموم أهل الجبال، واليوم تلعب منظمة الدعوة الإسلامية دوراً بارزاً في نشر الإسلام في جميع مناطق الجبال، ومنظمات أخرى لها التحية والإجلال كمنظمة مسلمي أفريقيا، ومنظمة البر في بناء المستشفيات والأعمال الخيرية ومنظمات أخرى. ملاحظات أساسية في جبال النوبة: - ضعف الوعي الإسلامي عند المسلمين وخلط الإسلام ببعض التقاليد والمعتقدات القبلية. - غياب البعد السياسي اللين بحيث تعلو الاعتبارات العنصرية والقبلية على الاعتبارات الدينية في القضايا السياسية، وهذه المشكلة عامة في السودان ولكنها أكثر حدة في منطقة الجبال. - أثر الدعوة الإسلامية في التحول الاجتماعي في جبال النوبة، لقد كان لتغلغل الإسلام في مجتمع جبال النوبة أثر واضح في التحول الاجتماعي والحضاري في منطقة جبال النوبة ويلخص في الآتي: - إصلاح الفرد وتحريره من براثن الشرك إلى عبادة الله تعالى. - الإلفة والمحبة والإخاء بين قبائل المنطقة وهي من الآداب الإسلامية التي جاء بها الإسلام، قال تعالى: «إنما المؤمنون أخوة فاصلحوا بين أخويكم»، وقال تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا». الإنضباط وستر العورة: أنكر الإسلام الفوضى والعري، حيث كان بعض من قبائل النوبة يعيشون حياة الجاهلية على ذات نهج الحياة التي عاشها العرب في الجزيرة العربية قبل الإسلام، إلا أنه بدخول الإسلام إلى المناطق حوربت هذه العادات الضارة المشينة والتي تتنافى مع الدين الحنيف، وبحمده تعالى تم استئصالها تماماً. 3. المرأة لا تورث عند النوبة قديماً، بل يخصون بالميراث الرجال فقط، إلا أن المسلمين من أبناء المنطقة وعملاً بقوله تعالى «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين»، بدأوا يورثون النساء. باحث وأديب