قد كذب محمود محمد طه في قوله أن الدولة الإسلامية تميز بين المسلم وغير المسلم في الحقوق والواجبات بسبب اختلاف الدين. فالذي نعرفه أن اختلاف الدين (لا يسبب انتقاض الحقوق والتفاوت فيها فللمسلم وغير المسلم حق الحياة والتملك والتصرف والمقاضاة على السواء). (وغير المسلم سواء أكان مواطناً في الدولة الإسلامية، أما كان غير مواطن ودخلها بصفة مستأمن، أي بأذن أو خاص، أم كان خارجها ولم يكن محارباً، كل هؤلاء لا يجوز التعدي على أرواحهم وأنفسهم ولا على أموالهم، ولهم حقوقهم مصونة، ولهم حق التقاضي أمام القضاء في الدولة الإسلامية، وهم والمسلمون في هذا سواء فكونهم غير مسلمين لا يسلبهم حقوقهم بل قد يعطيهم حقوقاً ليست للمسلمين وذلك كاعتبار الخمر ما لا ذا قيمة بالنسبة لهم يضمن المتلف لها ثمنها لهم وعدم اعتبارها كذلك بالنسبة للمسلم، وعدم تضمين متلفها له في القضاء). (محمد المبارك: نظام الإسلام، ص112). كما أن المسلم عند ما يأخذ المبادئ التي ينادي بها الإسلام يأخذ جميع هذه المبادئ، ولا يأخذ بعضها ويرفض البعض الآخر، كما فعل الجمهوريون الذي اختاروا مبدأ (الإنسانية العالمية) ونسبوه إلى فرقتهم وقالوا أنه لا يوجد في الإسلام بينما الواجب أن يقولوا أن هذا المبدأ الإنساني موجود في الإسلام وقد أخذناه منه، وأخطأنا في تطبيقه. كما أن الجمهوريين قد اختاروا من الإسلام مبدأ (الإنسانية العالمية) واختاروا مبدأين من المبادئ غير الإسلامية وصنعوا من الجميع مذهبهم وزعموا أن هذا الخليط هو العروة الوثقى الحقيقية التي تنزلت منها الشريعة الإسلامية فقد اختار الجمهوريون مبدأ (الديمقراطية) أو (سيادة الشعب) أو (حاكمية الجماهير) بديلاً لمبدأ (سيادة الله وخلافة المؤمن) واختاروا العلمانية بديلاً لمبدأ (التسليم لله وطاعته وقد سعت جماعات وأحزاب معاصرة للتمكين لمبدأ حاكمية الجماهير واختارت العلمانية (أيضاً) بديلاً لمبدأ التسليم لله وطاعته) والجمهوريون في اختيارهم لمبدأ (الديمقراطية) أو غيره من مبادئ المدنية الغربية إنما ينادون بمبدأ التسليم لمحمود محمد طه فيما يطرحه من بدائل، أو يتبعه من مذاهب في جميع هذه المسائل. أما مسألته تقسيم المواطنين لمسلمين وذميين، وما قاله الجمهوريون عنها من أنها تمثل تهديداً لحقوق غير المسلمين في الدولة الإسلامية، أو تمثل اهتماماً بالمسلمين فقط لأنها لا تسمح لغيرهم بتولي المناصب العليا في الدولة فهو ترديد لشبهة من الشبهات التي يثيرها المعارضون لتطبيق الشريعة الإسلامية، وهي شبهة (قضية الأقليات غير المسلمة في الدول الإسلامية وشبهة يرددها الآن بصورة أخرى من ظن أن أنفصال الجنوب حسم مسألة الهوية لأن نسبة المسلمين في السودان (الشمالي) نسبة عالية ولا داعي بعد الآن للكلام عن قضايا الأقليات غير المسلمة في الدولة الإسلامية). وهذه المسألة واضحة وبينة فليس الدستور الإسلامي حكراً على فئة معينة من الناس، وليس الإسلام حكراً على طائفة معينة، فكل من يعتنق الإسلام يسمح له أن يكون عضواً في الجماعة الإسلامية المنتمية لتلك الدولة، أما إذا كان غير مسلم فإنه لا يكره على ترك دينه، فله الحرية أن يعتقد فيما يشاء وله أن كان من أهل الذمة أن يتمتع بحقوق عادلة بينتها الشريعة الإسلامية، انظر: كتاب (نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور، ص302، ص303، ففيهما بيان الحقوق التي يتمتع بها الذمي في الدولة الإسلامية، والكتاب للشيخ أبي الأعلى المودودي الباكستاني الذي كان زعيماً للجماعة الإسلامية الباكستانية رحمه الله تعالى صاحب كتاب (نحن والحضارة الغربية) و(الإسلام والمدينة الحديثة) والحجاب، الشيخ الذي يحاول بعض الباحثين تشويه صورته ونسبته للماسونية وتأثره بالمخططات اليهودية لتصنيفه كتاب (تجديد الدين وإحياؤه) ونسأل الله العافية وللذمي حدود يجب ألا يتعداها، فليس له أن يتدخل في شئون الدولة الإسلامية، وليس له أن يدعو إلى عقيدته، وليس له أن يحاول جرهم إلى الكفر أو الإلحاد أو الفساد في الأرض باسم الحرية أو غيرها - كما هو الحال الآن في كثير من بلدان العالم أما ما يذكره الجمهوريون عن دولتهم التي يحلمون بها وعن المواطنة فيها، وأن سكان دولتهم سواسية فرق بين اليهودي والمسيحي والمسلم والبوذي واللاديني والجمهوري، وأن أي فرد من هؤلاء يمكن أن يتولى المناصب العليا، فتولى المناصب العليا لا يرتبط بإسلام الفرد أو عدمه، وإنما يجب أن تتوفر فيه شروط قوامها (كمال الخلق وصفاء الفكر) فهذه مجرد دعوى لا يستطيع الجمهوريون تنفيذها فهم مثلاً يذكرون عن أنفسهم أنهم يحافظون على الحرية كحق أساسي من الحقوق الأساسية للإنسان، وينادون بإقامة المنابر الحرة، فإذا قام غير المسلم وقال ما قال تركوه ولم يسألوه، وإن تولى غير المسلم منصباً، وفعل فيه ما فعل لم يسألوه، لأنهم لا يميلون إلى هدم عقيدة من العقائد الأخرى غير الإسلامية لأن أهلها قد حرفوها ولا يحتاجون إلى من يساعدهم في هذا الأمر، ولأن كمية التحريف التي تحتويها النصرانية أو اليهودية مثلاً كافية ولا تحتاج لزيادة من الجمهوريين. أما إذا قام مسلم ووضح حقيقة عقيدته ودعا غيره للالتفاف حولها وبين لهم أن الفكر الجمهوري ضلال وكان الأمر لا قدر الله بيد الجمهوريين هل يتركونه حراً يقول ما يشاء أو يتركوه يتولى منصباً من المناصب العليا في الدولة تمشياً مع مبدأهم القائل (الحرية لنا ولغيرنا) لا أظن ذلك، لأن الواقع يقرر غير ذلك، فهم في الوقت الذي ليس بيدهم شيء لم يتركوا غيرهم أحراراً بل رفعوا ضدهم القضايا، وطالبوا بمحاكمتهم، ونسخوا ما دار في تلك المحاكمات في كتيبات بل اعتمدوا عليها في جلب عطف الناس عليهم ومن هذه الكتيبات (قضية كوستي) ومن هذه القضايا القضية التي رفعها محمود محمد طه ضد الشيخ الأمين داود رحمه الله تعالى وليس الحرية التي يزعم الجمهوريون أنها في دينهم الجمهوري بحرية وإنما هي فوضى، فالجمهوريون يزعمون أن الحرية الموجودة في الدين الجمهوري لا توجد في غيره، ومع ذلك يسرعون بالرد على من لا يؤمن بفكرتهم متهمين له بشتى الاتهامات، محرمين عليه هذه الحرية بدعوى أن الدين الذي ينتمي إليه دين يقوم على الوصاية وأنه انتهى زمن الوصاية وجاء زمن الحرية ولو جاء زمن الحرية بالمعنى الذي تظهرونه لما سألتموه ويركز الجمهوريون الآن على العمل مع الجماعات المعارضة لتوجه الدولة، وتجمعهم مع تلك الجماعات وحدة مؤقتة يتم التركيز فيها على قضايا تهم هموم المواطن اليوم كقضية ملاك الأراضي بالجزيرة والقضايا المشابهة.