نقول دائماً إن الشعب السوداني هو معلِّم الشعوب، وأحسب أننا محقون في ذلك، خاصة في مجال الثورات والانتفاضات الشعبية والريادة في مجالات عديدة مثل تعليم المرأة ودخولها ساحات العمل الحكومي والخاص والعام، وتوليها القضاء، ومثل الرياضة التي تقدمنا فيها تقدماً كان يحسدنا عليه الأقربون، فخرج منا اللاعبون سفراء لبلادنا ودفعنا بالمدربين والحكام.. وكذلك فعلنا في مجالات التعليم العام والجامعي، والقضاء وغيرها. في السياسة اجتهدنا حتى نصبح نموذجاً وواحة للديمقراطية، إلا أن السيادة الخفية كانت دائماً هي المسيطر على مسرحنا السياسي، فأضحت الرواية (تقليدية)، وكذلك الأداء والفعل والجمهور.. وهو ما أتاح الفرصة لتدخل قوى أخرى للسيطرة والحكم مثلما حدث في (17) نوفمبر 1958م أو ما عرف ب(انقلاب عبود)، ومثلما حدث في (25) مايو 1969م أو ما عرف ب(انقلاب نميري)، ومثلما حدث في (30) يونيو 1989م أو ما عرف ب(انقلاب الإنقاذ). نحن فعلاً شعب معلم وملهم.. ودعونا نعود إلى الوراء قليلاً، وتحديداً إلى أبريل 1985م عندما انحاز الجيش إلى الشعب واستولى على السلطة معلناً نهاية عهد حكم الرئيس نميري- رحمه الله- ففي ذلك الوقت أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب أن فترة حكمه لن تستمر أكثر من عام، يعود بعدها الحكم مدنياً ويتم تسليم السلطة للشعب عبر انتخابات حرة.. ونزيهة.. وقد كان، وهو ما أدهش العالم خاصة دول العالم الثالث. سوار الذهب- نضّر الله وجهه- قال في حوار صحفي تم نشره قبل يومين في صحيفة الخليج الإماراتية، إنه تغلب على بريق السلطة لقناعته التامة بأنه أدى دوره، ويجب أن يفسح المجال للآخرين، وقال إن بريق السلطة (زائف) وهو الذي يجذب الحكام ويجعلهم «سفاحين» وجلادين لشعوبهم من أجل الحفاظ على الكراسي. حوار السيد المشير سوار الذهب هو الذي دفعني لأن أكتب هذه المادة، «وقد أعادت» وكالة السودان للأنباء (سونا)، يوم أمس ذات الحوار على موقعها الرسمي، الأمر الذي مكن الكثيرين من الاطلاع عليه وخلصتُ- شخصياً- إلى أن خيطاً رفيعاً جداً يفصل ما بين الحكم والحكمة، فإذا كان الحكم هو التحكم والسيطرة (في) و(على) حياة الشعوب من خلال البرامج والخطط المستندة على فكر سياسي معين، فإن الحكمة- مثلما قالت العرب قديماً- هي وضع الأمور في نصابها.. وسبحان الله لأن تعريف (الظلم) هو وضع الأمر في غير موضعه. التحية للمشير سوار الذهب ولهذا الشعب العظيم الذي يستحق أن يخرج سوار الذهب وأمثاله من بين أفراده. ونختم بدعاء كريم دعا به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وقال: (اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي).. آمين.. وجمعة مباركة