نقلا ً عن الأستاذة آمنة السيدح صاحبة عمود تنظير بجريدة آخر لحظة ، أنها قالت ؛ قال الأستاذ حسن ساتي : أن للقلم إحساساً يمتد من إحساس الكاتب نفسه لينتقل عبر يده إلى الورق . ولتسمح لي الأستاذة أن أكمل الحديث فإن هذا الإحساس ينتقل من الورق إلي القارئ الكريم والذي يعتبر نفسه أحيانا ًهو بطل الرواية أو المقصود بالموضوع ، فتتغير ملامح وجهه وتعبر بطريقة فطرية عن شعوره الكامن داخله ويترجم هذا التعبير كردة فعل كلامية أو كتابية. فقد حدث أن عبر أحد القراء وعبر الفيس بوك عن موضوع كتبته عبر هذه المساحة وكان تحت عنوان(بين اتحاد عام البياطرة واتحاد عام الكرة) وفيها سخر القارئ الفطن من الموضوع وسأل عن العلاقة بين اتحاد البياطره باتحاد الكرة واتهمني أنني سوف اكتب مقالاُ آخر للمقارنة مع اتحاد الغناء أو اتحاد المهن الموسيقية وقد سطر بعض الكلمات نفي فيها نفيا ً قاطعا ٌ واسترسل في حديثه أن تكون هناك أي علاقة بينهما . تذكرت هذه الواقعة وقد كنت حضورا ً الأسبوع الماضي ضمن جمهور غفير شاهد مسرحية بالمسرح القومي السوداني بعنوان (شعب إنتباه) للمخرج الرائع الشاب الأستاذ ربيع يوسف الحسن ، ضمن فعاليات الموسم المسرحي أكدت المسرحية بدون أي مجال للشك وجود علاقة قوية بين(البياطرة والدراميين) وبالتالي يمكن أن تكون هناك علاقة وطيدة بين (اتحاد عام البياطرة واتحاد عام الدراميين)، وما مسرح الكارو ببعيد. أحداث المسرحية تدور حول أهمية دور الطبيب البيطري في المجتمع وفي الاقتصاد عبر دراما ذات طابع كوميدي تمكن ممثلوه من تقديم أداء جماعي غنى بالحركة والمتابعة وفق أسلوب اعتمده مخرج العرض بالاعتماد علي إمكانيات وتجانس مجموعته معوضاً عن الطابع الأكاديمي الدرامي بإنشاءات درامية خالصة تم توزيعها علي ممثليه باقتدار وفق تنويعات حركية تقاطعت بصريا علي خشبة المسرح وجمعت بين الجماعية الواقعية والتخيلية خارج خشبة المسرح ، لقد كان البناء الدرامي التراجيدي محكما ً ومنطقيا ً حسب الظروف، بينما الجانب الكوميدي منها يتخلل البناء الدرامي بانيا ً نفسه علي عدم الفهم، واللبس مرةً، وسوء الفهم مرةً أخري، وكلها عناصر تؤدي إلي الضحك. ومن الأقوال التي يتناقلها طلاب كلية العلوم البيطرية عن البروفسير عبد الرحيم برعي والذي نذكره بكل خير باعتبار العلوم البيطرية علمه وفكره وأكل عيشه يتناول عنه طلابه بروحه المرحة أن الطبيب البيطري يعرف كل شي(حفله ممكن نفرتكها لو الفنان ما جاء ممكن نغنى لو الطباخين تأخروا ما عندنا مانع نطبخ) ... هذه إبداعات البياطرة. العرض الأول للمسرحية تجاوبت معه الطبيعة تجاوبا ً كبيرا ً فبينما كان الممثلون خلف الكواليس يرتبون أنفسهم وكان الحضور الكريم يتوافد أفرادا ً وجماعات زمجرت السماء وتراقصت أغصان الشجر فرحا ً وهبت نسائم باردة علي وجوه الحضور رجالا ً ونساء ً شيبا ً وشبابا ً وفرح الأطفال بالعيد وتجمعت القيوم وجاءنا ريع السماء بأمطار غزيرة غسلت هموم الأطباء البيطريين كأنها تمهد الطريق معلنة ً بداية عهد جديد ونظرة واقعية لفئة البياطرة . ثم أعاد طاقم المسرحية عرضها في اليوم الثاني وألقت بظلال مضيئة من خلال الأحداث علي طبيعة التعامل مع الدواء البيطري وثقافته المتدنية وسط المدينة الرعوية ، طافت بنا المسرحية عبر الفترات الزمنية لظهور الأمراض المعدية وسط الحيوانات والدور الريادي لحمايتها بالوقاية والتحصين وتطورت أحداث العرض وفق درامية مشوقة اتكأت علي تعاقب مسرحي يعتمد علي نبرة التراث الثقافي المتوارث من الأمثال السودانية في شخصية(الراوي) حيث اللوحة الدرامية التي تربط مشاكل القطاع المرتبطة والمتداخلة كالتعليم والتصدير فالراوي يعلق علي الاحداثبدون نظرة مغايرة ولكنها لحظة إنتباه فالمتغطي بالأيام عريان. لم تغب قناة (الخطيرة) عن تغطية الأحداث والصراع الدائر بين اتحاد سابق وآخر جديد للاتحاد العام للأطباء البيطريين تحت شعار(شديد..شديد اتحاد بياطرة جديد) تبادل فيه الطرفان الاتهامات والتي ليست هي من طبيعة البياطرة فأدب الخلاف لن تجد مثله وسط الفئات المهنية الأخرى كما تجده وسطهم لأنهم لن ينزلقوا أبدا إلي درجة الاتهامات وإبراز الوقائع والمستندات لأننا نحترم كل من قدم خدمة لزملائه فالبياطرة جميعهم يحترمون بروفسير زيدان ودكتور عمران المتناظران في برنامج المواجهة عبر قناة(الخطيرة) وقد نجحت المسرحية في ختام المناظرة بمنتهي الانسجام والتآخي خارج الكاميرا فهذا هو المجتمع البيطري. منذ مجئ ثورة الإنقاذ وفئة البياطرة في حوار مع قادتها وراسمي سياستها وبعد جهد دام سبع سنوات متواصلة فيها الصبر والمثابرة والوسيلة الواحدة والقناة الواحدة وروح الإخوة الصادقة، لأن الهدف والقصد إلي سبيل الله لم تنحرف المجموعة ولم تشذ عن المطالبة بكيان منفصل عن الزراعة وكان الشعار لن أعيش في جلباب أبي ، وأصدقكم القول لقد ساهم القطاع بدور صمام الأمان فإيراداته بدون منصرفات وصار وزير الثروة الحيوانية والسمكية هو مستشار الدولة في هذا القطاع وصار الأطباء البيطريين بدون مني أو إضرابات أو لجان نواب تتولي المطالب وترفع سقفها للحصول علي أقلها ساهمنا في القطاع العام والقطاع الخاص دون النظر إلي مكاسب فئوية أو علي المستوى الشخصي أو تعطيل مصالح عليا ترفع قدر البلاد. إن هذا العمل الدرامي الذي تجاوز عجلة الحاضر وقفز بنا إلي المستقبل تجعلنا نغنى مع لحن المسرحية ونقول :- شعب إنتباه ... شعب إنتظام امشي مرفوع الجباه ... زندك عداله رحمة وسلام شعب انتباه ... عزة ترابك سافنا وغرب .... فقرية وكرن شعب انتباه عزة ترابك تمرة جبالك .... تملك قرارك شعب إنتباه تحياتي للأستاذ ربيع الذي جعل من أمسيتنا ( الربيع البيطري) والي طاقمه المتجانس والي كل من ساهم في هذا العمل الدرامي المتفرد، فالفنون مقياس الشعوب.