حث ديننا الإسلامي الحنيف على حسن معاملة الجار حتى سابع جار، ولكثرة حديث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن حسن الجوار وضرورة عدم إلحاق الأذى بالجار ظن الصحابة رضوان الله عليهم أنه سيورثه، ولا يغيبن عن البال حسن معاملة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لجاره اليهودي الذي كان يضع القمامة عند باب بيته، سأل عنه فقيل إنه مريض وقام «صلي الله عليه وسلم» بزيارته في بيته للاطمئنان عليه. ولو نظرنا إلى واقعنا الجغرافي نجد أن أوروبا هي جارتنا الأولى وهي الأحق بحسن العلاقة، لكن السؤال الملح هو: والأقربون أولى بالمعروف والمصالح المشتركة ؟ ولابد من اتباع الخطوات التالية حتى لانكون كمن هرب من تحت الدلف إلى المزارب.. أولى الخطوات حسن الجوار مع أروبا هي إخراج العلاقة من إطار الدعم المالي الذي لا تعلم الشعوب أين يذهب إلى دائرة التكامل حسب قاعدة المصالح المشتركة . والثانية عدم حصر العلاقة في إطار الرسمي بل التوسع في نسج العلاقات الشعبية من خلال الاتصالات المباشرة وفق أسس مدروسة لخدمة مصالح الطرفين من دون المساس بالخصوصية واستضافة يافعين وشباب من كلا الجانبين في دور الشباب أو المعايشة في البيوت لمعرفة العادات والتقاليد وتعلم اللغة . لعل الخطوة الثالثة في هذا المجال هي تكثيف ترجمة الكتب لسبر أغوار الآخر وتعميق معرفته وأن تكون الأسعار زهيدة ومتاحة للجميع. وربما كانت الخطوة الرابعة هي الأبرز في موضوع الحصاد المرجو، وهي عقد الندوات وورش العمل التي ترقى إلى مرحلة العصف الذهني للنفاذ إلى حقيقة الآخر، لكن الأمر هنا يتطلب الحرص على احترام الذات أولاً ومن ثم احترام الآخر وعدم النظرة إلى الآخر بتعال أو فوقية تحت أي ذريعة. وتتمثل الخطوة الخامسة في تسهيل ما أمكن علي الأوربيين للغوص المؤدب في أعماق الدين الإسلامي علّ وعسى أن يخرجوا من دائرة تضليل المضللين وهم بطبيعة الحال اليهود الذين لا يرحبون بأي تقارب بين المسلمين والمسيحيين، أما ما يتعلق بنا كمسلمين فإننا نعلم حقيقة الدين المسيحي، لأن السيد المسيح عليه السلام ولدته أمه البتول عليها السلام في فلسطين وانطلق بدعوته منها، ووصفه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه «ابن الخالة» تعبيراً عن مكانة الخالة في المواريث الشرقية وأنها بمثابة الأم الحنون الطيبة. ويستحسن تكليف رجال الدين المسيحي العرب بقيادة الاتصال مع الغرب المسيحي في المرحلة الأولى لأنهم الأقدر على الحصول على القبول في كنائس الغرب . الخطوة السابعة خلق جوار عربي - أوروبي فأعل، قائم علي أسس المصالح المشتركة، هي تمويل مدارس وجامعات أوربية لتدرس اللغة العربية والدين الإسلامي لفسح المجال أمام الأوربيين للوقوف على حقيقة الدين الإسلامي ونظرته إلى الآخر. قبل أيام خضت نقاشاً مع شاب أروبي متنور، قال لي إنه سمع من الآخرين صعوبة تحقيق الديمقراطية في الوطن العربي عند المسلمين، وكان ردي عليه واقعة الخليفة الفاروق «رضي الله عنه» عمر بن الخطاب، وتتثمل في محاجة أحد المسلمين «البدو» للخليفة عمر بسبب ارتدائه ثوباً كاملاً، وكان ذلك في إحدى الغزوات التي انتصر فيها المسلمون وحصلوا على غنائم منها أقمشة، وسأل المسلم البدوي : يا عمر من أين لك هذا الثوب الكامل وأنت طويل وحصلت على القطعة نفسها التي حصلنا عليها؟ فما كان من الخليفة عمر إلا أن ابتسم وقال لابنه عبد الله: أخبره يا عبد الله، فقال عبد الله رضي الله عنهما: لقد منحته حصتي فأكمل ثوبه. وهناك أيضاً الكثير من المواقف التي يتعرض لها عمر منها وقوف امرأة مسلمة لتقول له: والله يا عمر لو وجدنا فيك إعوجاجيا عمر! لقومناك بالسيف بعد أن قال مخاطباً المسلمين: لو رأيتم فيّ إعوجاجاً فقوموني، ومعروف من هو الخليفة عمر بن الخطاب الذي كُني بالفاروق وأعلن إسلامه دون خوف أو وجل من قريش. أما الخطوة الثامنة فأهميتها كبيرة إذ يجب اعتماد طريقة حوار جديدة مع الغرب تقوم على الصراحة والشفافية وتهدف إلى بناء علاقة تكاملية، ونقول على سبيل المثال لدينا النفط ولديكم التقنية ونحن بحاجة إلى التقنية وأنتم بحاجة للنفط وهكذا دواليك . وعلينا كعرب أن نبحث عن حلفاء أقوياء تربطنا بهم مصالح مشتركة أن نوجه جزءاً من استثماراتنا إلى الغرب وفق أسس واضحة متفق عليها وأن نؤسس لحضور معتبر في الغرب. أما الخطوة التاسعة فهي ضرورة كتابة مسلسلات تلفزيونية مدروسة وهادفة لتقديمنا على حقيقتنا إلى الغرب الذي يعلم جيداً أنه نهل كثيراً من الحضارة الإسلامية والأمثلة كثيرة. قبل نحو 30 عاماً أجريت حواراً مع مسؤول أوروبي رفيع المستوى حشرته في زاوية ضيقة من دون وجه حق وقلت إن أوروبا تدعم إسرائيل ضد العرب فسألني ذلك المسؤول: هل وصلت الجيوش العربية إلى تل أبيب وقمنا نحن بإعادتها؟ عندها أسقط في يدي وقلت لأ فرد ضاحكاً : آمل أن أكون قد أوصلت الرسالة. وفي حوار آخر قبل عشر سنوات مع مسؤول أوروبي رفيع المستوى أيضاً قسوت كثيرا على الاتحاد الأوروبي، وعندها قال لي ذلك المسؤول نحن كاتحاد أوروبي بحاجة إلى موقف عربي قوي وموحد لنؤسس عليه موقفاً أوروبياً قوياً وموحداً ثم نحمل الموقفين إلى واشنطن للوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. لا أرغب أن يفهم أنني من خلال الدعوة إلى بناء علاقة تكاملية مع أوروبا ادعو لشن الحرب على أمريكا، بل أدعو أيضاً إلى اتباع أسس سليمة في بناء علاقة من نوع أخر تخرج عن نطاق التابع والمتبوع أو الساحق والمسحوق، وأن نستقبل موظفاً ما من الخارجية الأمريكية يملي علينا ما يجب أن نفعله وما يتوجب علينا تركه. ولعلي لست مخطئاً إن قلت إن هناك مسؤولين أمريكيين غير راضين عن هذا الانسحاق العربي أمام أمريكا، وقرأت تصريحات قبل عامين ربما لمسؤول أمريكي لا أذكر اسمه قال فيها: إلى متى ستبقى الأمور في الشرق الأوسط على ماهي عليه الآن؟ فقبل أن نطلب شيئاً من العرب نحصل على ما هو أكبر منه دون ثمن، لكن إسرائيل تساومنا وتبتزنا في مرحلة تقدمنا إليها بطلب ولو كان صغيراً ونقدم لها ما تريد ولا نحصل منها علي شيء. ما أود قوله هو أن المصالح هي أساس العلاقة، ومن يتقدم باتجاهنا بخطوة سليمة نتقدم باتجاهه عشر خطوات سليمة، مع التحية أيضاً، وهذا هو الاحترام المتبادل.