الأستاذة الغالية جداً.. أم وضاح.. تاني سلام.. وتاني كل سنة وأنتِ طيبة.. وبخير.. والوطن أكثر إشراقاً والشعب أكثر حرية ورفاهية.. وأعاده الله علينا والسودان يرفل في أثواب الديمقراطية الشاهقة.. الشاسعة.. وكل الذين يقفون كما الجنادل.. والصخور في نيل الغناء البديع والشعر الرصين.. يرحلون إلى.. دورهم وحياضهم التي لا تعرف للجمال والبهاء طريقاً.. نعم لقد كتبت في وجع.. عن حميد.. وأزيدك وجعاً على وجع.. وأحكي لك تلك الحرب والتي دونها سماء الدنيا وهو يشتعل بجحيم وجنون «هتلر».. وهاشم يا عزيزتي من الذين حاربتهم الدولة عبر أجهزة إعلامها حرباً دونها حرب النجوم التي استنزفت كل قدرات ومقدرات الاتحاد السوفيتي العظيم.. بدأت ضربة البداية بإيقاف بل ذبح برنامجه «دراما» والذي كان هو «اللمبة» الوحيدة المضيئة في تلك الشاشة البائسة الفقيرة المسكينة.. أوصدت أمامه كل النوافذ والأبواب والشبابيك.. حتى لا ينفخ الروح.. في نجمة كانت في أعماقنا منسية.. ولكن عبثاً.. وهل يستطيع أحد حجب الشمس بغربال.. وأنا أيضاً دهشت وتعجبت حد الجنون.. وهاشم يقول مرة.. إنه بصدد الوداع.. وقول.. مع السلامة.. للوطن.. وهنا دعيني عبرك أعاتبه.. عتاباً يبلغ حد لوم ذاك الإعرابي الجلف والذي قال متحدياً.. إذا الملك الجبار صعر خده.. مشينا إليه بالسيوف نعاتبه.. ونحن يا هاشم لن نعاتبك بالسيوف فقط بالحروف التي ما فتئت ترسلها لنا مرة مكتوبة برحيق الزهر.. ومرة مصورة بصفق ورق الورود.. ومرات محفورة بل موشومة في تجاويف صدورنا بأطراف أسنة وخناجر.. كل تلك الهدايا والعطايا والهبات.. لم تكن أبداً عبر تلفزيون أو إذاعة.. المهم كانت تصلنا في اللحظة والتو والحين.. وكأنها خطابات بعلم الوصول.. كنا وما زلنا نجد فيها أنفسنا.. ونحس فيها بأنفاسنا.. توقظ فينا.. ذاك الحب الخرافي للوطن.. وتطرد في صرامة.. أي لحظة «نعاس» تعترينا.. يا هاشم.. قال مرة أحد أساطين الشعر المقفى.. لا تنكري عطل الكريم عن الغنى.. فالسيل حرب للمكان العالي.. أما أنت يا هاشم لن يغفر لك أي تتري أو هولاكي.. خطيئتك الكبرى- في نظرهم طبعاً.. عندما كتبت الملحمة.. ولن ينسوا لك ذاك الوعيد والنذير.. والحقد.. والغل والكراهية.. كلما طافت في «أمخاخهم» أو طالعت عيونهم الكليلة.. ذاك القسم العظيم وأنت تهدر.. ولسه بتقسم يا أكتوبر.. لما يطل في فجرنا ظالم.. نحمي شعار الثورة نقاوم.. نبقى صفوف.. صفوف تتحدى لما يعود الفجر الحالم.. يا هاشم تصور معي.. الوطن بدون.. هاشم صديق.. بدون حميد.. بدون ود المكي.. بدون محجوب شريف.. بدون وردي.. ألا ترى معي أن الضوء عندها ينسحب من الكون.. كيف لا.. ورحيل مصطفى ذاك الذي زرعناه في «ود سلفاب» ليزهر وعداً.. وحقاً.. وسنابلاً.. مازال يطعن في الحلق.. ما زلنا نلبس حداداً عليه ثياب الحداد.. والآن هل أدركت- أم وضاح- حجم المعاناة التي يجابه نيرانها الشعب النبيل المدهش الفريد.. ثم دعيني اتفق معك بل أطابقك الرأي تتطابق المثلثات.. إن الملكيين هم الذين تمتد أياديهم الآثمة في جنح الظلام.. هم يقومون نيابة عن أصحاب «الجلد والراس» بعمليات الذبح والسلخ وتقطيع الأوصال.. وأنا- أيتها العزيزة لم أغضب يوماً من «الأصلاء» الذين لا يرون في كل أصدقائنا هؤلاء غير أبالسة وشياطين.. فقط لأنهم في بساطة ويسر ما عرفوا يوماً.. روعة وبهجة ورصانة الغناء البديع.. ودعيني أسألك بالله عليك.. «ومن الله خلقك».. هل سمعت يوماً بمطرب «إسلامي» وهل سمعت بأخ مسلم عازف جيتار أو كمان أو عود أو ضابط إيقاع.. إنهم بعيدون جداً من هذه الحياض.. بل هذه الرياض.. ولكن لسوء تدبيرهم وقصر نظرهم ينسون ويتناسون.. إن هذه الفسحة من الترويح والتطريب التي يجدها الشعب.. عبر هؤلاء المبدعين تزيد الحياة قسوة ورعباً وقتامة.. يتناسون أو يتعامون عن أن هذا الشعب مازال يواصل الحياة.. في صبر وجلد.. وكل عزائه أنه يستمتع حد النشوة والفرح.. بأغنيات وأشعار تزيح عن صدره تلك الحجارة الصماء الجاثمة على صدره والتي تطحنه في غير شفقة من انسداد أبواب الأمل أمامه من صالح عام.. ومحاباة في التوظيف.. وتشريد بدعوى إلغاء الوظيفة.. وطاحونة غلاء أسعار تطحن وتدمي.. وعطالة.. تكبر وتتوسع.. ثم ختاماً.. لك تحياتي..