من المفارقات والأضداد التي نعيشها أن يصادف وصول وفد المقدمة لحركة جيش التحرير والعدالة بعد توقيع وثيقة الدوحة لسلام دارفور وبعد كل الفترة التي انتظر فيها أهل السودان وأهل دارفور خاصة بداية التنفيذ لوثيقة الدوحة وبدايات الإجراءات الأساسية من خلال حضور وفد المقدمة أقول إن المفارقة في الشعارات التي رفعتها فعاليات دارفور وأهل السودان في استقبال المناضل أحمد عبد الشافع ورفاقه الشعارات المتينة والقوية في التمسك بالسلام خياراً لأهل السودان وأهل دارفور ... الشعارات التي تدعو وبإصرار على نبذ العنف والامتثال للسلام وتدعو الى التعايش والديمقراطية والحرية والعدالة والحياة المدنية أن تصطدم هذه الشعارات بالساحة الممتلئة حتى الحواف بالتعبئة والجهاد (وأرمي قدام ورا مؤمن) والتطهير والتحديات المتبادلة بين جيش السودان وجيش حركة تحرير السودان بمنطقة أخرى من مناطق السودان من التضاد أن تظهر صورة وفد المقدمة لسلام دارفور ويتحدث قادته والمنفعلين بالسلام بأن الوثيقة والسلام من أجل كرامة النازحين وتخفيف معاناة المدنيين بينما تنقل القنوات الدولية (والجزيرة القنبلة) صور العرايا والحفاة من النازحين من الدمازين وما حولها وقبلها كانت صاحبة العطسة الأولى مدينة كادقلي تفرغ جوفها بمعاناة السكان فقد أصبحت الحروب ليست كما بدأت بدارفور إنها الآن حروب المدن والعواصم. تلك هي المفارقة والتضاد في وطن تتناسل فيه الأزمات التي تبتلع كل فرحة وليدة منذ توقف الحرب والامتثال لنيفاشا واشتداد أوارها بدارفور التي جاءت الوثيقة فاستودلت جنوب كردفان والنيل الأزرق. مقدمتنا هذه لها ما بعدها فقد اتّسم وصول وفد المقدمة بانفعال نبيل من كل قطاعات أهل دارفور الذين توافدوا الى المطار ظهر الأربعاء الماضي بمختلف سحناتهم وأطيافهم الفكرية وتعددت لجانهم الاستقبالية والترحيبية لإتساع رقعة المؤازرين والمؤيدين لأطروحات الوثيقة ومخرجاتها والتي مثلت نتاج حراك واسع لكل قطاعات المجتمع المدني خلال عمر تكوين حركة جيش التحرير والعدالة ورفدت هذه القطاعات طاولة المفاوضات برغبات وتطلعات أهل دارفور والتي استصحبها المفاوضون من الحركة في مواقفهم التفاوضية أعلن عن ذلك صراحة وبوضوح رئيس الحركة الدكتور السيسي في خطاب حفل التوقيع بالدوحة وكان هذا هو الدافع لشعور كل هذه القطاعات بأنها صاحبة الوثيقة والتي خاطبت في محاورها السبع جذور الأزمة وتطرقت لقضايا دارفور التي من أجلها تكونت الحركات الاحتجاجية السلمية والمنظمات التي طرحت خيار المقاومة المسلحة ثم الحركات العسكرية التي دولت القضية وأنتجت أبوجا الطريدة ثم الدوحة الوليدة. فقد سبق التعبير في استقبال وفد مقدمة الحركة حراك فكري بمبادرات واسعة من عدد من الهيئات والمنظمات المدنية ومراكز البحوث والدراسات كانت آخر هذه المؤتمرات والورش الملتقى الذي عقدته منظمة الهيئة الشعبية لتنمية دارفور وهو الملتقى الخامس للسلام والتنمية تحت عنوان دور منظمات المجتمع المدني في تنفيذ وثيقة الدوحة والذي انعقد في السابع والعشرين من رمضان وحضره عدد من القيادات وأساتذة الجامعات والمتخصصين حيث تم تناول الأوراق المطروحة في محورين أساسيين المكاسب الاقتصادية والتنموية في وثيقة الدوحة وورقة عن دور منظمات المجتمع المدني في سلام دارفور تم التفاكر في هذا الملتقى عن الإيجابيات الواسعة التي جاءت بها الوثيقة في عدد من المحاور خاصة محور المشاركة السياسية التي أعطت أهل دارفور حق المشاركة في كل مستويات الحكم وفي محور تقاسم الثروة والتنمية التي أنتجت مؤسسات للتخطيط والتنفيذ ومؤسسات للتمويل، على رأس مؤسسات التمويل صندوق الائتمان متعدد المانحين في مكان صندوق دارفور للإعمار والتنمية وبنك دارفور وعلى رأس المساهمين في هذا البنك دولة قطر، أيضاً لخصت إيجابيات الترتيبات الأمنية وتوفير الإمكانيات العينية والمادية وتحقيق ظروف مناسبة لعودة النازحين واللاجئين الى آخر الإيجابيات والمكاسب التي جاءت بها وثيقة الدوحة. أيضاً تعرض الحضور في الملتقى الى السلبيات التي صاحبت توقيع الوثيقة باعتبارها الحل الدائم والنهائي لمشكلة دارفور من بين هذه السلبيات أن الوثيقة جاءت في ظروف وأوضاع غير مواتية لإنفاذ مقرراتها، هذه الظروف تمثلت في الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية التي يمر بها السودان عقب انفصال الجنوب والنزاعات المسلحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق أيضاً رأى جمهور حضور الملتقى أن السلام لم يستكمل وذلك لوجود فصائل أخرى تحمل السلاح وتقف ضد عملية الدوحة السلمية وأن الأوضاع الأمنية نتيجة نشاط هذه الفصائل لا تحقق الوضع المناسب لعودة النازحين واللاجئين أو تخلق الظروف والبيئة المناسبة لإعادة الإعمار وإنشاء مشاريع التنمية وتشجيع الاستثمار في ولايات دارفور وعدد آخر من الملاحظات نوردها في مكان آخر. إن التحديات الماثلة أمام عودة الاستقرار والسلام لدارفور لا يتم تجاوزها بالتوقيع على الوثائق والبرتكولات والمعاهدات إنما بالتطبيق والتنفيذ وإحساس المواطن بمعايشة معطيات السلام والتنمية والتحدي الأكبر للاستفادة من مخرجات الدوحة هي وحدة أبناء دارفور وتمسكهم بخيارات التعايش فيما بينهم وتحقيق الأمن لإقليمهم. ولله الحمد