كنت أود أن يكون عنوان هذا المقال مهرجان الدامر -أو مهرجان الجاداب- إشارة إلى الاحتفال الضخم غير المسبوق الذي أقامه الشاعر القومي محمد عمارة في زفاف ابنته، سليلة آل شخيب وآل جاد، إلى ابن عمها المستشار أبو طالب بابكر الطيب.. والذي جدد بهذا الزواج حدثاً تاريخياً بالتئام الأسرة الكبيرة «آل شخيب» بعد قرابة قرن من الزمان، فتوافدوا من موطنهم العريق في أبو سليم والصقر و وهيب والفاضلاب والحرة والكتيباب وقرى الجباراب والزيداب والشعديناب إلى قلب جزيرة شاع الدين موطن الاحتفال. أطرف تعليق في هذا الاحتفال التعليق الذي أطلقه شاعر الشمالية كلها الشاعر الكبير إبراهيم الزومة الذي جاء من كريمة ونخيل نوري وظلال البركل ليشهد هذا الاحتفال.. حيث قال بلهجة أهلنا الشايقية المحببة: إنتو الزول ده سقف البلد كلها.. إشارة إلى السرادقات والصيوانات الواسعة الضخمة التي أقامها الشاعر عمارة لهذه المناسبة.. لقد كانت هذه المناسبة، وكما تعود عمارة صاحب ديوان النغم الأصيل من ربوع نهر النيل الذي زين مكتبات القاهرة منذ أعوام.. مهرجاناً لتبادل الشعر والغناء بين كبار شعراء المنطقة وأبناء عمومتهم من أهل الشمالية، فكان هناك إبراهيم الزومة.. وكان هناك الزعيم فضيل علي محمود.. وافتقدت الليلة الشعراء الكبار نوارة دار جعل عكير الدامر وعبد المنعم قدور وود شوراني وود جيب السيد وغيرهم من أصدقاء الشاعر الذين طواهم داعي الردى فلم يشهدوا هذا الاحتفال، مثلما شهدوا زفاف كريمته الكبرى على الشاب المهذب ابن العم معتصم بابكر الزين الذي جدد بهذه الصلة ذكرى العم الورع الإنسان أحمد الزين، وتلك السنوات اليانعة المشرقة التي ضمت سعادة وحبور الأهل في ديارهم العامرة في دامر حمد ومنازل عبد العال وشاع الدين.. أطرف ما في هذه المناسبة، وتحت إلحاح الجمهور، أن اعتلى الداعي وأبو العروس المسرح فأنشد وغنى كما لم يغنِ أو ينشد من قبل، فكان حدثاً فريداً من الشاعر الفذ محمد عمارة، فكأنما هو أمير الشعراء أحمد شوقي الذي أصر على أن ينشد ويغني في زواج ابنه حسين في عشرينيات القرن الماضي. التحية للشاعر الكبير محمد عمارة ولابننا المستشار القانوني الضليع أبو طالب والذي يحمل جده وجدنا وجد والده وعمنا الفكي لقباً عربياً فصيحاً لا يعرفه الكثيرون وهو الكريم المصقع الذي لا تجف سكينه من الدم لكرمه.. ودامت الأفراح، ولو كانت كلها كما يفعل عمارة لهاجرنا إليها في كل موسم وفي كل عام.