الجزئية الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي في خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الأممالمتحدة، كانت بمثابة قربان قدمه رئيس الدولة العظمى الوحيدة حتى الآن إلى جماعات الضغط اليهودية ليقربوه زلفى إلى نيل رضا الناخب اليهودي، وبالتالي حصد الأصوات في انتخابات الرئاسة الأمريكية العام القادم. وقد بالغ أوباما في التزلف إلى إسرائيل كما لم يفعل رئيس أمريكي من قبل، وكان في قمة القسوة بالفلسطينيين حينما استهزأ وسخر من اعتزام الرئيس الفلسطيني عباس التقدم بطلب انضمام فلسطين إلى الأممالمتحدة، فوصف ذلك بأنه تسطيح لعملية معقدة وأن السلام لا يمكن أن يتحقق من خلال (إعلانات) وقرارات تصدر من الأممالمتحدة، مضيفاً أنه إن كان ذلك بهذه السهولة لكان قد تحقق السلام حتي الآن. كان أوباما ملكياً أكثر من الملك حينما عمد إلى فعل ما يفعله المسؤولون الإسرائيليون في مثل هذه المحافل، فحاول دغدغة مشاعر الأعضاء واستثارة عاطفتهم للتعاطف مع إسرائيل حينما تبني الرواية الإسرائيلية Israeli Narrative التي ظلت الصهيونية العالمية تستجدي وتتسول بها لدى الغرب طلباً للدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لإسرائيل منذ قيامها على الأراضي الفلسطينية، والرواية الأكذوبة تتحدث عن أن شعباً صغيراً مسكيناً وديعاً يحمل آثار معاناة آلاف السنين من المنفى والمحرقة، وجوده مهدد من جيرانه ذوي المشاعر العدوانية تجاهه، فتحدث أوباما بطريقة قصد منها إظهار إسرائيل على أنها عبارة عن جزيرة صغيرة في محيط هائج متلاطم الأمواج وتحفها المخاطر من كل حدب وصوب، ولم ينسَ أوباما لأغراض الشحن العاطفي المؤيد لإسرائيل، أن يذكّر بما سماه بالتفجيرات الانتحارية في وسائل النقل والبصات في إسرائيل. بدا أوباما في ذلك اليوم في صورة موظف علاقات عامة (متحاذق)، يحاول الترويج لمؤسسته الخاسرة والفاشلة بطريقة فجة ومنفرة ويحسب أنه يحسن صنعاً. أوباما كان ملكياً أكثر من (ملوك) إسرائيل أنفسهم، فقد أذهلتهم مفاجأة ملكية أوباما الذي أسمعهم ما لم يكونوا يتوقعونه أن يكون بهذا المستوى من التزلف والملق لإسرائيل حتى أن أحد اليساريين الإسرائيليين كتب يقول إن انحياز أوباما السافر إلي صف إسرائيل سيجلب إليها المتاعب الكثيرة في المستقبل القريب. وقد احتفت الصحافة الإسرائيلية بخطاب أوباما احتفاءً ملحوظاً، يديعوت أحرونوت قالت إن الخطاب أشاع فرحة غامرة لدى الوفد الرسمي الإسرائيلي في الأممالمتحدة، وأضافت أن هذه الفرحة مبررة ولها أسبابها التي قالت إنها تتمثل في أن الرئيس الأمريكي لم يعلن رفضه للخطوة الفلسطينية للانضمام إلى الأممالمتحدة فحسب، وإنما أيّد كافة الحجج الإسرائيلية، بل إنه تبنى الرواية الإسرائيلية الكاملة في هذا الشأن! جيروزاليم بوست عبرت عن رضاها التام عن الخطاب قائلة إن أوباما أخيراً نطق بما ظل ينتظره الإسرائيليون من رئيس أمريكي قرابة الثلاث سنوات، وإن خطابه تضمن جرعة مطلوبة من التقمص العاطفي empathy والتفهم، أما صحيفة إسرائيل هايوم فقد قالت إن الرئيس أوباما في خطابه كان متحالفاً مع مواقف إسرائيل وأرسل رسالة واضحة للفلسطينيين مفادها أن إقامة دولة عن طريق الأممالمتحدة مستحيل. وبهذا يكون أوباما قد حجز مقعده وضمن الفوز بفترة رئاسية ثانية في الإنتخابات القادمة على حساب قيم العدل والأخلاق، وعلى حساب مصداقيته ومصداقية بلاده كقوة عظمى وحيدة وكوسيط في الصراع بين الجانبين، وعلى حساب الحق الفلسطيني الذي أضاعته سياسات هذه الدولة الطفيلية لأكثر من ستة عقود. وفي نفس الوقت فقد ضمنت إسرائيل هي الأخرى مساندة أمريكية مستمرة وقوية، وانحيازاً مكشوفاً وظاهراً لها طيلة العهدة الرئاسية القادمة لأوباما، واتضح أن أحاديث الرئيس أوباما الإيجابية عن العالم العربي والإسلامي وعن الحقوق الفلسطينية وبعض مواقفه غير المهادنة مع إسرائيل، اتضح بعد خطابه (التلمودي) كما وصفه أحد الكتاب الفلسطينيين، أن كل تلك الأحاديث والمواقف ما هي إلا ذر للرماد في عيون العرب والمسلمين، وتخدير لهم لتمرير المطالب والمخططات الإسرائيلية عليهم في هدوء، وشغلهم بالإنتظار لأطول مدة ممكنة للإنصاف والعدل الأمريكي على يد أحد حفدتهم ممن تجري في عروقه دماؤهم ويحمل وجدانه قدراً من ثقافتهم، وفي خلفية عقله وتفكيره شيء منهم، حتى أن بعض البسطاء والسذج عندنا في العالم الإسلامي بشرونا برئيس أمريكي ذي خلفية إسلامية، ينصف العرب والمسلمين وينتزع لهم حقوقهم ويصلح بالهم، هو باراك حسين أوباما. ولكن فإن المرشح للرئاسة الأمريكية وحتى يفوز بهذا المقعد، لابد له أولاً أن يتم (تعميده) في تلك اللجنة العجيبة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، المعروفة اختصاراً ب آيباك (AIPAC)، والتي تقوم على فلسفة تقرر أن وجود إسرائيل له أهمية حيوية لأمريكا، وأن أمريكا ذات أهمية بالغة لإسرائيل، وبالتالي فإن هذه اللجنة تعمل لتنزيل هذه الفلسفة على أرض الواقع وهي تتحكم في تحديد المرشحين للرئاسة من قبل الحزبين، وتحدد أيضاً من يفوز بالرئاسة، والكل يذكر أن أوباما قد تم تعميده في هذه اللجنة قبيل خوضه لسباق الرئاسة قبل أربعة أعوام، فلا غرو إذاً أن ينحاز الرجل إلى جانب إسرائيل ضد الفلسطينيين بهذا الشكل السافر.. ولا عزاء للفلسطينيين.