تبدأ زيارة النائب الأول لرئيس الجمهورية على عثمان محمد طه إلى العاصمة الليبية طرابلس اليوم على رأس وفد رفيع المستوى، والزيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول رسمي رفيع تأتي بعد الإطاحة بالعقيد معمر القذافي ونظامه، من المقرر أن طه سيلتقي رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل، ويبحث معه العلاقات السودانية الليبية عقب زوال نظام القذافي، موضحاً أن الزيارة ستستغرق يوماً واحداً. دون سرد لقصة ديكتاتور ليبيا الهارب معمر القذافي وما سطره من تاريخ حافل بالراجمات والمقاتلات لبني جلدته الليبيين، والسياسة العوجاء التي كان يتبعها تجاه السودان من دعم للمعارضة في دارفور ... كل المؤشرات كانت تدل على عدم وجود استراتيجية واضحة من قبل القذافي تجاه السودان وكان شغله الشاغل وهمه الأول السيطرة على المنطقة والإشارة للقائد (بالقديم) بأنه صاحب المباردات الكفيلة بحل أزمات المنطقة بما فيها دارفور ، وهو ما لم يكن. .. حول هذه الزيارة وأهميتها خرجت «أخر لحظة » بالاستطلاع التالي: الدكتور الساعوري أستاذ العلوم السياسية أكد على أهمية الزيارة لعدة أسباب منها: انطلاقاً من الضرر الذي وجده السودان عمل على دعم الثورة بتقديم النصح والمساعدات العينية والثورة رحب بها في السودان وبما أنها إسلامية الترحيب بها أغلظ، وتأتي في اطار البحث عن توجهات الثورة الجدية في سياساتها الخارجية، وقال الساعوري ربما يأخذ السودان زمام المبادرة لتوفيق العلاقات بين ثوار ليبيا والجزائر، وقال إن توجهات الثورة الإسلامية لن تجد الترحيب من امريكا بل ستعمل على وأدها بشتى الطرق. أما الأستاذ العبيد مروح الناطق الرسمي باسم الخارجية أكد على أن الزيارة تأتي في الوقت الراهن من منطلق الاهتمام بدول الجوار وليبيا لها خصوصية في تلك الزيارة لوضعها الانتقالي بعد ان جثم عليها نظام الفرد الواحد وعاشت 42 عاماً من القهر السياسي، وقال ان السودان أول دولة عربية أوفدت مبعوثاً رفيعاً وهو مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني أعقبها وزير الخارجية في إشارة إلى الاهتمام بهذه الدولة ومساعدتها في الانتقال بسلاسة نحو الاستقرار والديمقراطية لممارسة التعددية السياسية كما هو الحال في السودان، وأكد مروح بأن الشعب الليبي في حاجة ماسة إلى تقديم العون في هذا الانتقال السلس وضرب أمثالاً في ذلك منها :أليس من الأجدر أن يقدم السودان وسائل ومساهمات في اطار هذا التحول الديمقراطي بدلاً أن تأتي من أمريكا فمن الافضل أن ينقل السودان تجاربه في هذا الشأن منوهاً إلى أن هذه المساهمة والوقفة تأتي من منطلق التجربة السودانية المبنية على المزاج العام والوضع الاجتماعي وهو أقرب الأوضاع إلى ليبيا. ظل السودان ينكوي بنار الغدر من أقرب الناس إليه ربما دون رد فعل قوى أراد منها حفظ ما يمكن الحفاظ عليه من علاقات يعتبرها تاريخية ومن منطلق التعامل بالحسنى حتى مع من يدسون له السم في العسل، العقيد القذافي إبان فترته لم يكن حريصاً البتة في دفع عملية السلام والاستقرار في دارفور بدليل سياساته العدوانية التي لا يظهرها وانما يلفها بثوب أبيض ، ويدعي أنه صاحب المبادرات التي ستفضي الى نهاية وجعة دارفور ، إلى جانب غيرته الشديدة من مبادرات دول الخليج خاصة دولة قطر والحساسية التي كانت تظهر عليه في احاديثه من مصر ابان فترة من سبقه الى الهاوية حسنى مبارك. على ضوء هذه المعطيات السابقة مع اعتبارها انها كانت في الماضي، تأتي زيارة النائب الاول للجمهورية الى ليبيا ليلتقي بثوارها مباركاً انتصاراتهم يشاركهم فيها بصفة خاصة إقليم دارفور السوداني الذي ظل يدمي ويعاني من الجرح الذي تسبب فيه القذافي، كيف لا وعتاد الأسلحة الثقيلة شاهد على ذلك، وما خفي كان أعظم، بروح وثابة راغبة في مد جسر قوى متعاون بين البلدين يقوم على عثمان بزيارة هامة ليجلس مع رئيس المجلس الانتقالي للتحدث عن قرب حول العلاقات الثنائية وتحديد اطار وثوب جديد لها أملاً في أن تكون هذه العلاقات بناءة تعمل على خير شعبي البلدين اللذين يشتركان في الهدف والمصير. وبما أن أرفع مسؤول سوداني يزور ليبيا الثورة بعد سقوط (قذافها) إذن الزيارة ليست عادية وليست عابرة فهي مخططة باقتدار حكومة خبرت كيف يمكنها ان تبني علاقات على أنقاض الديكتاتورية الليبية السابقة مع الاستفادة من التجارب السابقة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هل سيتعامل السودان مع ليبيا بحذر أم بنفس مختلف بحكم التحديات الماثلة للمنطقة وفي ظل الثورات التي اجتاحت العرب على رأس هذه التحديات المشكل الاقتصادي، إلى جانب البحث عن شريك اقتصادي مثل ليبيا يمكن الاستفادة منها على قرار ( الجار الأقرب ). ومن المؤكد أن زيارة النائب الاول ستعمل على طي صفحات القذافي الماضية والسلبية في ظل حكومة للثوار مرتقبة تعمل على حفظ علاقات جيدة مع الاخوة، ويأمل السودان أن لا يتأثر الثوار بالضغوط الخارجية الغربية منها على وجه الخصوص في توجيه هذه العلاقات وتوجيه سياسات عدائية ضد من يقف في وجه الامبريالية الغاشمة. أهمية الزيارة تأتي أيضاً من التوقيت الذي حدد لها من دارفور إلى طرابلس لها دلالات واضحة في النتائج المرجوة من اللقاءات والمشاورات المشتركة وتشير كل المعطيات إلى أن النائب الاول سيخرج بضمانات وتأكيد على أن استقرار دارفور سيكون ضمن اولويات المجلس الاتنتقالي. كما سيحرص الوفد السوداني على معرفة تفاصيل الاستراتيجية الخارجية الجديدة للمجلس دون تدخل خارجي يحمل أجندة خفية. كل الاحتمالات في ظل هذه المعطيات تشير إلى القبضة الأمريكية والسيطرة على سير اتجاه مستقبل المجلس الانتقالي ليست ببعيدة طالما ان النيتو كان المساعد الأقوى في لفظ القذافي إلى مزبلة التاريخ وبشروط ان لم يعمل الثوار بتنفيذها ، من الصعب استقرارهم فالفتنة ستتبعهم إن لم يعملوا بخطط واجندة موضوعة لهم سلفاً، ما الذي يمكن أن يفعله السودان إزاء ذلك للتعامل بذكاء مع هذه الأوضاع السياسية الجديدة ...؟ سؤال ينتظر أن نبحث عن إجابته ربما بعد زيارةاليوم الواحد للنائب الأول على عثمان محمد طه إلى طرابلس.