عندما فكر السيد محمد عثمان الميرغني والسيد أحمد الميرغني في إنشاء البنك الإسلامي السوداني، لم يفكرا في جني الأرباح بقدر ما فكرا في خدمة المجتمع، وكان أول مدير عام للبنك الإسلامي السوداني هو السيد محمد صالح يحيى، ويعتبر أب المصرفيين جميعاً. وكان السيد محمد عثمان خليفة مساعداً للمدير العام للعاملين بحكم أنه إداري وليس مصرفياً، وهو أستاذ في علم الإدارة وكان يعمل معهم مديراً لفرع الخرطوم السيد بشير موسى، فقد عملنا سوياً عقب مشكلة مصرفية كبيرة حصلت ببنك الخرطوم فرع الحصاحيصا، فأول مرة في تاريخ المصارف يتفق غالبية الموظفين على التلاعب في حسابات العملاء، السبب الرئيسي في ذلك كان (توتو كورة). السيد بشير موسى مصرفي مقتدر وقد رشحني للعمل في البنك الإسلامي السوداني ولم أكن أعرف السيد محمد عثمان الخليفة، وقد كنت عائداً لتوي من الاغتراب من المملكة العربية السعودية وعدت لبنك الخرطوم وعملت مديراً لفرع سنار، حضرت إلى الخرطوم وقابلت السيد محمد عثمان خليفة وقد اتفقنا على أن أكون نائباً للسيد بشير موسى في فرع الخرطوم، وكان للبنك الإسلامي آنذاك فرع واحد في شارع القصر وحدثت مشكلة ما يعرف بالشيكات المتقاطعة بين البنك الإسلامي وبنك الخرطوم فرع المناقل، وقد كان والد صديقي فضل حسن قد توفي وذهبت للعزاء بقرية ود العباس وسمعت أطراف الحديث عن هذه المشكلة في بنك الخرطوم فرع المناقل، والذي كان مديره أحد أبناء دفعتي، ومن أبناء شندي عباس عبد الله وقد أنزعجت لذلك وعدت مسرعاً للخرطوم وأخبرت السيد محمد عثمان خليفة بما سمعت وأخبرت السيد بشير موسى أيضاً، فسلمني السيد بشير موسى كشوفات حساب الزبون وكشوفات الشيكات المرسلة بين البنك الإسلامي في الخرطوم وبنك الخرطوم فرع المناقل، ووجدت أن البنك الإسلامي متورط في هذه العملية بمبلغ سبعة ملايين جنيه وكان ذلك في آخر عام 1988م، ولم يمضِ على التحاقي بالبنك الإسلامي أكثر من شهر، وعلى الفور دعونا السيد محمد صالح يحيى المدير العام وعدد من أعضاء مجلس الإدارة ومؤسسي البنك، لأن هذه المشكلة كانت ستؤدي بالبنك لمهالك كثيرة لو لم يتم تداركها بسرعة كبيرة، وكان أبرز الحاضرين السيد أحمد عثمان عبد السلام والسيد حسن تاج السر علي والزبون موضوع المشكلة وهو ابن من أبناء أعرق الأسر في المناقل، وعندما أخبرنا السيد حسن تاج السر بالمشكلة لم يتردد، بل قام على الفور بتسلمينا شيكات تخصه كان قد أعطاها له الزبون ثمناً لبضائع اشتراها منه، وكانت بقيمة أكبر من المبلغ المطلوب. وكان هذا عملاً نادراً من رجل بأخلاق عالية، وحسن تاج السر رجل مثقف عمل بسفاره السودان بلندن وكان كريماً ذا علاقات ممتدة وكان منزله قبلة للكتاب والمهندسين والمثقفين. المهم بعد استلامي الشيكات طلبت أن يسلمنا الزبون مخازن تحسباً لعدم دفع الشيكات، وذهبت عصراً إلى مخازن بالقرب من ميدان سبق الخيل، واستلمت بضائع بكامل القيمة وكان معي السيد أحمد عثمان عبدالسلام، وأخذت المفتاح وعلقت يافطة باسم البنك الإسلامي السوداني وأحضرت الخفير من البنك وسلمته الحراسة وأعطيته تعليمات مشددة بأن لا يتم التصرف بهذه البضائع إلا بأمر مني، وعدنا إلى منازلنا في تمام التاسعة مساء، في اليوم التالي جاء مندوب من بنك الاعتماد و التجارة والذي كانت له نفس المشكلة مع نفس الزبون ووجد أن كل شيء في حوزة البنك الإسلامي السوداني، فرجع بخفي حنين. وأصبح السيد محمد عثمان خليفة مديراً عاماً للبنك الإسلامي، وأصبحت نائباً له و بدأ البنك الإسلامي السوداني يأخذ شكله وهيبته التي عرفها عنه الناس كأكبر بنك في السودان من حيث الانتشار، وكان الفضل في ذلك لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن كفواً أحد، ومن بعده لأبناء السيد علي الميرغني والسيد محمد عثمان خليفة وشخصي الضعيف، تحدثاً بنعمة الله علينا، والسيد محمد عثمان خليفة لم يكن مصرفياً لكنه إداري قوي الشخصية، إنسان يحب المجتمع وتنميته وفقراءه، وكان عبد المجيد منصور من نفس الشاكلة ثقافة واسعة وخيالاً وكرماً، ولذلك كانا ثنائياً رائعاً. تميز السيد محمد عثمان خليفة بأنه رجل لا يتسلط على الآخرين ولا يحسدهم ولا تعرف الأنانية طريقاً إلى نفسه، فقط يريد لمن يعمل أن يكون ذا مقدرة في مجاله، أميناً على ما يرعى من ناس ومال.. محمد عثمان خليفة وعبد المجيد منصور عطرا البنك الإسلامي السوداني بريح المسك تحت رعاية السيد محمد عثمان الميرغني وأخيه السيد أحمد، وبعد أن ترك محمد عثمان خليفة البنك الإسلامي السوداني عين وزيراً للرعاية الاجتماعية، أصبح عبد المجيد منصور رئيساً عاماً له. خبير اقتصادي ورئيس أسبق لنادي الهلال