نقول دائماً إن الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها.. وقد تم إيقاظ الفتنة قبل أيام، من داخل معرض الكتاب المقدس في الخرطوم، عندما تم طرح وعرض كتاب (الأقباط.. النشأة والصراع- من القرن الأول إلى القرن الحادي والعشرين) لمؤلفه الصحفي المصري «ملاك لوقا» الذي يبدو من أسلوبه وأفكاره التي تضمنها الكتاب، من دعاة الفتنة، وأولئك النفر المتطرف بين الطائفة القبطية في مصر، وهي طائفة لها امتداداتها في السودان، ولها كنائسها ومدارسها ومعاهدها المختلفة، وللأقباط في السودان تداخلاتهم الاجتماعية، وتتقدم هويتهم الوطنية على كل ما عداها، مثلهم مثل بقية السودانيين. أما معرض الكتاب المقدس، فقد كنا نتابع نشاطه وعمله سنوياً منذ أعوام بعيدة، وكان أكثر القائمين بأمره من أشقائنا الجنوبيين، عندما كان الوطن واحداً، وكنا ندهش لحماستهم الزائدة التي تصل حد (الحماقة) أحياناً، وهم يقومون بما يعتبرونه تحدٍ لكل المجتمع المسلم المحيط بهم، وكان ذلك يبدو واضحاً وجلياً و(صريحاً) من استخدام أساليب الدعاية والترويج المستفزة، باستخدام مكبرات الصوت، و(التحرش) أحياناً بكل من حاول أن يناقش أمراً ما مع الذين قاموا بعرض الكتب على الطريق العام. الآن ذهب الجنوب، وبقيّ الجنوبيون، ولدى الكثيرين منهم مفاهيم لن تتغيّر بسهولة، منها أن الجنوب بأكمله لهم، وكذلك الشمال إلى الحد الذي لا تتأثر به حياتهم ومعايشهم وعاداتهم وسلوكهم، رغم أنهم أصبحوا مواطنين غرباء، عليهم- مثلما يقول المثل القديم- أن يفعلوا ما يفعله الرومان إن كانوا يعيشون في روما، (إذا كنت في روما فأفعل ما يفعله الرومان- نص المثل)، لكن أكثر الذين يقومون بهذا العمل بدءاً من تنظيم المعرض والوقوف عليه، يريدون أن يكونوا في روما ويفعلون ما تسوّل لهم به أنفسهم. وصلني خبر الكتاب باكراً قبل عدة أيام، وابتعثت اثنين من أفضل محرري الصحيفة للمتابعة، وكنت قد علمت أن النسخة من الكتاب الذي أشرنا له في البداية تباع- علناً- بعشرة جنيهات، وطلبنا نسختين، إلا أن المشرف على المعرض شك وارتاب في الأمر، فادعى أن النسخ المعروضة قد نفدت، وعلى محررينا المرور في وقت آخر للحصول عليها. أراد الله أن أجد نسخة من الكتاب لدى صديق من المهتمين بأمر الدعوة، وطلبت منه الكتاب إلا أنه رفض أن يعيرني إياه، وقال لي: (صوّر ما شئت من الصفحات وانشرها، لكنني لن أعطيك الكتاب).. وقد فعلت، وقمنا يوم أمس بنشر ما تضمنته صفحات الكتاب من إساءات بالغة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرام، ونشرنا صورة غلاف الكتاب. الآن نستطيع القول إن التصرفات الخرقاء لدى قلة متطرفة وسط الطائفة القبطية، ولدى مجموعة مستفزة من أبناء دولة جنوب السودان، أشعلت نار الفتنة مستخدمة ثقاب الحساسية الدينية. ملاحظة أخرى ظللت حريصاً على قراءة الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد أي «التوراة» و«الإنجيل»، بغية التعرف على خصائص اليهودية والمسيحية، وظللت لذات السبب أتابع الموجة المخصصة لإذاعة البرنامج المسيحي من الإذاعة السودانية صباح كل أحد، وقد أستوقفني يوم أمس أمر غريب يتطلب (وقفة) من جهات الاختصاص مثل وزارة الإرشاد والإذاعة نفسها وكل المختصين، إذ استمعت إلى تمثيلية إذاعية عن أحد المفسدين الفاسدين، واسمه (علي) كان خادماً للكنيسة، لكنه انحرف بعد أن أصبح من أصحاب الأموال، ونصحه صديقه (ياسر) لأن يعود إلى طريق الرب، لكنه رفض، وتدخل القس القائم بأمر الكنيسة، لكن (علي) لم يتغير، بل ظل على فساده يحاول إغواء (فوزية) زوجة جاره (خليل).. و... و... و... و... و. لا يهم نهاية القصة، لكن الذي يهم هو أسماء أبطالها، فهي أسماء لرموز إسلامية عظيمة مثل (علي) و(ياسر) ولم نعرف يوماً ما أن مسيحياً تسمى بمثلها كما لم يتسمَ مسلم بأسماء مثل «يوحنا» و«مينا» و«بطرس».. لذلك ندعو للمراجعة.. ندعو للمراجعة.. ندعو للمراجعة.. وإلا فإن النار ستأتي على كل شيء.. وتبدأ فتنة يتم الإعداد لها بذكاء ودهاء وخبث. اللهم أحمنا وامنحنا من الإيمان قوة، ومن القوة منعة حتى نصد الذين يريدون لنا الفتنة في ديننا.