مولانا الشيخ.. الغنوشي.. لك التحايا والسلام والود والتوقير.. ومبروك نصر تونس.. مبروك ثورة تونس.. مبروك ديمقراطية تونس.. ولست أدري من أهنيء.. أنتم.. أم قيمة الديمقراطية.. أم شعبكم العظيم.. أم نفسي.. أنا أكثر وأشد المحتاجين والآملين والمترقبين والمُنتظرين لاستقبال التحايا والتهاني فقد كنّا وكنت وجميع شعب السودان.. نراقب في فزع عند بداية ثورتكم الظافرة.. ثم في إشفاق.. والطاغية المخلوع يمطركم بكثافة نيران فوق احتمال صدور البشر.. ثم في أمل.. وأنتم تقتربون من منصّات النصر.. وساعة الخلاص.. ثم في فرح غامر.. مُعربد مجنون.. وأنتم تطوعون المستحيل ليصبح ممكناً.. تنفذون وصية الشابي.. بل تضعون كلماته واقعاً يمشي على أرض بلادكم الطيبة.. كنّا وكانت عيوننا مشدودة إليكم عبر الفضاء والأثير.. وجموعكم المنتصرة تدك معاقل الطغاة.. وتمسح وإلى الأبد.. صورة بن علي وأسرته الدموية من وجه تراب تونس القدسي الطاهر.. كنا نشاهد قبضات شبابكم.. وهتافات بناتكم.. واندفاع كهولكم ونسائكم.. تشق الفضاء هتافاً وانشاداً ودوياً.. كنّا نشاهد الدماء وهي تتفجر من أجساد شعبكم لتروي أرضاً تنبت الزيتون والشهداء.. ويمشي على سطحها المجد والفخار.. كنّا نرى ونشاهد ونسمع كلمات الشابي وهي تجلجل في الفضاء وعرفنا أن روحه قد رقدت بسلام.. بعد أن كان قد كتب على شاهد قبره إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر.. وثورة مثل ثورتكم.. تلك التي رفعت الأعلام في كل المحيط العربي وهي ترفرف في فضاء كل الأمة.. وهي تجمل كلمات النبوءات الجريئة.. وتفتح صفحات تاريخ الأمة الجديدة المجيدة.. لا ينبغي لنا أن نحييها بمداد حبر ومداد.. لا نكتب لها وعنها بالريشة أو الأقلام.. نكتب لها بأطراف أسنة وخناجر.. بل برؤوس رماح وأعواد مشاعل.. نكتب بعد أن نغمس تلك الرماح.. في بحار الدم الذي انبثق حاراً يغرغر في صدور الرجال الشرفاء الذين لمعوا كما الشُهب وتفجروا كما النيازك.. وكتبوا بأجسادهم المطوحة فوق شرفات العالم.. أرق وأروع كلمات تنادي المستقبل.. سيدي الغنوشي.. لا أريد أن أفسد عليكم أفراح نصركم.. نصر حزبكم النهضة.. نعم أنا سعيد بنصر الشعب التونسي وهو يدحر الطاغية الهارب.. بل يدوس على حكم الفرد والأسرة.. أسرة الطرابلسي.. ويدوس على الطغيان والاستبداد والوحشية.. سعيد بتلك الديمقراطية الشاهقة.. سعيد بالانتخابات الحضارية النزيهة الشفافة المتحضرة.. سعيد إلى حد محدود وخجول.. بل هي سعادة بها ظلال من الحزن و الأسى.. وبقع من الإحباط الذي يلامس حواف اليأس والفزع.. كانت سعادتي سوف تكتمل.. وأفراحي سوف تتشاهق حتى تلامس حواف السماء لو فازت الكتلة العلمانية.. أوالمدنية.. أو حتى اليسارية جالسة على سدة الحكم في تونس الشقيقة.. مهلاً سيدي.. أنا لست رافضاً ولا متحفظاً ولا وجلاً من الحكم الإسلامي.. فقط أنا مشفق من سوء التطبيق.. وفداحة أخطاء الممارسة.. وتلك الآثام والخطايا التي يرتكبها الإسلاميون في حق الإسلام هو ليس رجماً بالغيب ولا هتكاً لأستار الحجب.. ولكن من واقع أحداث مرت كالعواصف أمام عيوننا.. لا لم تمر أمام عيوننا فحسب.. بل كنّا في عين وقلب العاصفة.. سيدي.. نكتب لك غداً بأكثر المفردات إبانة وفصاحة ونصاعة لك السلام وحتى الغد..